وقول المُفَسِّر -رَحِمَهُ اللهُ-: [﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ﴾ فَوْقَ خَلْقِهِ بِالقَهْرِ ﴿الْكَبِيرُ﴾ الْعَظِيمُ] لا شكَّ أنَّ هذا ليس تَفسيرًا مُطابِقًا، وكأنَّ المُفَسِّر أَخَذها مِنْ قَرْن (العَظيم) بـ (العَليِّ) في آية الكُرْسي حيثُ قال تعالى: ﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، وهنا قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ ففَسَّر الكبيرَ بالعَظيمِ، ولكن الصَّحيح أن الكبير أعَمُّ؛ لأنَّ الكبيرَ ليس مَعناهُ العَظيمَ، بل معناه: ذو الكِبْرياء، ومَعناه أن الله تعالى لا يُماثِله شيءٌ في ذاته.
فالسَّمَوات السَّبْع والأَرَضين السَّبْع في كَفِّه تعالى كخَرْدلةٍ في كفِّ أَحَدكم، يَعنِي: السمَّواتِ السَّبعَ على عِظَمِها والأرَضين السَّبع مثلَما لو وضَع الإنسان في يَدِه خَرْدلة -وهي حَبَّة الخَردل التي بكِبَر حَبَّة السِّمْسِم- وهذا أيضاً تَمثيل على سبيل التَّقريب، وإلَّا فالله تعالى أَعظَمُ وأجلُّ، فكل المَخلوقات بالنسبة له تعالى ليسَتْ بشيء.
فيَنبَغي أن نَقول: إنَّ الكبير ليس هو العَظيمَ. بل يُفيد مَعنًى آخَرَ، وهو الذي له الكِبرياء، وهو الذي لا يُنسَب إليه شيءٌ من خَلْقه، فالسَّمَواتُ السَّبعُ والأَرَضينَ السَّبعُ في كَفِّه كخَرْدلة في كفِّ أَحَدِنا.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: إثبات الشَّفاعة بإِذْن الله تعالى؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾، ولو كانت الشَّفاعة لا تَنفَع مُطلَقًا ما صحَّ الاستِثْناء، ولو كانت تَنفَع مُطلَقًا ما صحَّ النَّفيُ، إِذَنْ فهي تَنفَع بإِذْن الله تعالى.
فإن قلت: ما وَجهُ الدَّلالة على إثبات الشَّفاعة، مع أنَّه نَفَى الشفاعة؟