الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: جَواز إجابة السائِل عمَّا سأَل فيما هو واضِح؛ لقوله تعالى: ﴿قُلِ اللهُ﴾، ومِثاله من الأُمور العادِيَّة، أن تُسأل مثَلًا: مَن الذي جاءَ بكذا وكذا؟ فتَتَوقَّف أو تَتَلَعْثَم؛ إمَّا جَهْلًا أو مُكابَرةَ، فأَقولُ: أَليْس فُلان هو الذي جاء به فأُقرِّره.
وإجابة السائِل إنَّما تكون في الأُمور الواضِحة، أمَّا في الأمور غَيرِ الواضِحة فقَدْ يُعارِض، ولا يَكون جوابُه مُقنِعًا، لكن في الأمور الواضِحة للسائِل أن يُجيب نَفسه إذا تَلَعْثَم الخَصْمُ ولم يُجِب، أمَّا إذا أجاب فالأَمْرُ واضِح، وهذا الاستِفْهامُ المَوْجود في الآية الكَريمة أَجاب عنه المُشرِكون بالحَقِّ في مَوْضِعٍ آخَرَ في سورة يُونُسَ -عَلَيْهِ السَّلام-: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٣١].
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: جَواز محُاجَّة الخَصْم بما يُعرَف -عند عُلماء المناظرة والجدَل- في بابِ المُناظَرة بالسَّبْر والتَّقْسِيم، فالسَّبْر يَعنِي: تَتبُّع الشيء، والتَّقسيم يَعنِي التَّرديد بين هذا أو هذا، فمَثَلَا هُنا: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ فإذا تَتبَّعنا الحالَ وَجَدْنا أن حال كلِّ مِنَّا لا تَخرُج عن حالين: إمَّا هُدًى، وإمَّا ضَلال، وهي إمَّا لنا، وإمَّا لكم، وليس هناك شَيْءٌ ثالِث، وهذا يُعرَف بالسَّبْر والتَّقسيم.
ونَظيرُه قوله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا﴾ [مريم: ٧٧]، هَذِه دَعْواهُ: ﴿لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا﴾ قال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ﴾ [مريم: ٧٨]، يَعنِي: هل يَعلَم الغَيْب أنَّه سيُؤتَى مالًا وولَدًا: ﴿أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ أم أن الله تعالى أَعلَمَهُ بذلك وعَهِد به إليه، والقِسْم الثالِث الكَذِب؛


الصفحة التالية
Icon