وأمَّا قوله -رَحِمَهُ اللهُ-: [﴿الْحَكِيمُ﴾ في تَدبيره إلى خَلْقه فلا يَكون له شَريك في مُلْكه] فهذا خطَأ؛ لأنَّ الشَّريك في المُلْك ما ادَّعاه المُشرِكون، والمُفَسِّر -رَحِمَهُ اللهُ- نفسه في الأوَّل يَقول: شُرَكاءُ في العِبادة، فحِينئذ يَكون الصَّوابُ: فلا يَكون له شَريك في عِبادته، فما دام هو الذي له العِزَّة والغلَبة والحكْم والحِكْمة فإنَّه لا يَنبَغي أن يَكون له شَريك في العِبادة، بل العِبادة له وحدَهُ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَةُ الأُولَى: فيها ممَّا سبَق مِن أنَّه من آداب المُناظَرة سُلوك التَّحدِّي فيما يُعلَم امتِناعه من الخَصْم؛ لأنك إذا تَحدَّيْته في أمرٍ لا يُمكِنه وظَهَر عَجْزُه تَبيَّن بُطلان دَعواه، بخِلاف ما إذا تَحدَّيْته بأمرٍ يُمكِنه أن يَفعَله فإن هذا ضرَر عليك.
فلا تَتَحدَّى الخَصْم إلَّا بأَمْرٍ يُعجِزه ولا يَتمَكَّن منه هنا، يَقول -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ﴾ يَعنِي: أَعلِموني ماذا خَلَقوا؟ ماذا نفَعوا؟
الجوابُ: لم يَخلُقوا شيئًا، ولم يَنفَعوا شيئًا، ولم يَدفَعوا ضرَرًا كما قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النحل: ٢٠ - ٢١]، وقال إبراهيمُ عَلَيهِ السَّلَامُ لأبيه: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٤٢].
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: وقوله تعالى: ﴿أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ﴾ يُستَفاد منها: أن الشِّرْك يَكون في العِبادة، كما يَكون في الخلْق والتَّدبير، بمَعنَى أنَّ الشِّرْك يَكون في الأُلوهية كما يَكون في الرُّبوبية، ووجهُه: أنَّ هؤلاءِ المُشرِكين لم يَكونوا يُشرِكون في الرُّبوبية ولكنَّهم يُشرِكون في الأُلوهية والعِبادة.