بما يَدُلُّ على التَّحقير في قوله: ﴿بِهَذَا الْقُرْآنِ﴾، فإن الإشارة هُنا بالقريب لدُنُوِّ مَرتبته على زَعْمهم.
وفيه أيضًا من تمَاديهم في الطُّغْيان أنهم قالوا: لن نُؤمِن به، ولا بالذي بين يَدَيْه. سواءٌ قُلْنا: إن الذي بين يَدْيه: ما أَخبَر به عن المُستَقبَل، أو: ما سَبَقه من الكُتُب؛ فإن هذا يَدُلُّ على المُبالَغة في العُتُوِّ والعِناد.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: وفي قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ إلخ؛ بيانُ عِظَم عُقوبة هؤلاءِ المُكذِّبين؛ لأن تَقدير الجواب يَدُلُّ على ذلك، وقد قدَّرْناه في تفسيرِنا: بأنه لرأيْت أمرًا عظيمًا أو فظِيعًا.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن الكُفْر ظُلْم؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ﴾؛ لأنه قال ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، ثُمَّ قال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ﴾، ويُؤيِّد ذلك قولُه تعالى في سورة البقَرة: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٥٤].
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: حُسْن الإظهار في مَوْضع الإِضْمار إذا اقتَضَتِ البَلاغة ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿إِذِ الظَّالِمُونَ﴾، ولم يَقُل: ولو ترَى إذ هُمْ مَوْقوفون.
وللإِظْهار في مَوْضِع الإِضْمار فوائِدُ:
منها إرادةُ العُموم، بحيث يَشمَل هؤلاءِ المَذكورين وغيرَهم.
ومنها بَيانُ وَصْف لمَن يَعود الضمير عليه لم يَكن مَوجودًا من قبلُ، بمعنى: التَسجيل عليهم بما يَقتَضيه هذا الوَصْفُ، إذ إنه لو قيل: ولو ترَى إذ هم مَوْقوفون ما استَفَدْنا أن هؤلاء كانوا ظالمين، فلما قال عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ﴾ سجَّل عليه أنه ظُلْم.