فبعضُ الناس يَتحمَّل ولا يُرِي غيرَه أنه نادِم، أو أنه ضجِر، أو ما أَشبَهَ ذلك.
ويُقال: إن رجُلًا عاد شَخْصًا مريضًا، وكان هذا المريضُ مُدنفًا أيْ: مرَضه شديد، فقال له: كيفَ حالُكَ؟ فقال: الحمد لله طيِّب، وأنا -يَفتَخِر بنفسه كما قال الشاعِرُ:
وَتجلُّدِي لِلشَّامِتِينَ أُرِيهِمُ | إنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضَعُ |
وَإِذَا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا | أَلْفَيْتَ كُلَّ تَميمَةٍ لَا تَنْفَعُ (١) |
والشاهِد: أن الذين قالوا: (أَسَرُّوا) بمَعنَى: (أَخْفَوْا). قا لوا ذلك لِئَلَّا يُعابوا على ما صنَعوا.
أمَّا الذين قالوا: (أَسَرُّوا) بمَعنَى (أَظهَروا). فقالوا: إن الآياتِ كثيرةٌ تَدُلُّ على ندَمهم، وأنهم أَظهَروا ذلك ونَدِموا على ما صنَعوا، ولكن ﴿وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ [ص: ٣].
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ﴾ على تَرْك الإيمان به] الذي أَسَرَّهُمُ الفَريقان -كما قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ-: الذين استكْبروا والذين استُضْعِفوا.
وقوله عَزَ وَجَلَّ: ﴿لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾: ﴿لَمَّا﴾ بمَعنَى (حِين)، وتَقدَّم قريبًا أن ﴿لَمَّا﴾ تَأتِي في اللغة العربية على أربَعة أَوْجُهٍ.
(١) البيت لأبي ذؤيب الهذلي من نفس قصيدته السابقة، انظر: ديوان الهذليين (١/ ٣)، والمفضليات للمفضل الضبي (ص: ٤٢٢).