الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن المُترَفين هم أهل البَلاء، ومِنهم يَصدُر الشَّرُّ في قوله تعالى: ﴿إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا﴾ إلى آخره.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: التحذير من التَّرَف، حيث كان التَّرَف سببًا للشَّرِّ والبَلاء والكُفْر، وقد كان النبيُّ - ﷺ -فيما رَواه أبو داودَ- يَنهَى عن كثرة الإِرْفاهِ، وَيأمُرنا بالاحتِفاء أحيانًا؛ فهو لا يَنهَى عن الرفاهية مُطلَقًا، ولكن عن كَثْرتها، وَيأمُر بالاحتِفاء؛ ومَعنى الاحتِفاء: أن نَمشِيَ حُفاةً أحيانًا.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن الله عَزَّ وَجَلَّ قد أَعذَر إلى خَلْقه بإرْسال الرُّسُل؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ﴾ وهذا كقوله: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥].
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: وَقاحةُ هؤلاءِ المُترَفين من وجوهٍ:
أوَّلًا: أنهم قالوا بكُلِّ صراحةٍ: ﴿إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾.
ثانيًا: أنهم أكَّدوا هذا الكُفرَ بقولهم: ﴿إنَّا﴾، و (إِنَّ) للتَّوْكيد.
ثالثًا: أنهم قدَّموا المَفعولَ -مَفعولَ الكُفْر- وهو قوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾، كأنهم يَقولون للرُّسُل عَلَيْهم السَّلَامُ: إننا لا نَكفُر بشيءٍ سِوى ما أُرسِلْتم به؛ لأن المعروف أن تقديم المَفعول يُفيد الحَصْر.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أن تَكذيب هَؤلاءِ المُترَفين كان مع إقرارهم بأن هؤلاءِ رُسُلٌ، حيث قالوا: ﴿إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ﴾.
فإن قلتَ: أفلا يُمكِن أن يَكون: ﴿إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ﴾ يَعنِي: على زَعْمكم؟
فالجوابُ: أن الأصل في الكلام الحقيقةُ، وأن هذا إقرارٌ منهم أنهم أُرسِلوا، ولا غَرْوَ أن يَقوم الكافِر بالكُفْر المَبنيِّ على العِناد والاستِكْبار.


الصفحة التالية
Icon