يَسعَوْن جاهِدين بآيات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وقول المُفَسِّر: [﴿يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا﴾ أي: الْقُرْآنِ] ووجهُه: أنَّ الذين كفَرُوا لا يُنكِرون آيات الله تعالى الكَوْنية، وإنما يُنكِرون آياتِ الله تعالى الشرعيةَ، على أنهم أحيانًا يَطلُبون آياتٍ كَوْنيةً تَعْجيزًا للرسول - ﷺ - كما حَكَى الله تعالى عنهم في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٠ - ٩٣].
كم آيةٍ طلَبوها من الآيات الكَوْنيَّة هنا، ومع ذلك قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي﴾ يَعنِي: تَنزيهًا له أن يَبعَث رسولًا بدون آيات يُؤمِن على مِثْلها البَشَر وما أنا إلَّا بَشَر رَسولٌ، كما أن الآياتِ هنا خصَّها المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ بالآيات الشَّرْعية، وقال: إن المُراد بها القُرآن.
ويُحتَمَل أن يُراد بها الآيات الكونية والآيات الشرعية جميعًا، لأنَّ هؤلاءِ كما يُعاجِزون في القُرآن يُعاجِزون أيضًا في الآياتِ الكَوْنية، وكأَنَّ القُرآن آيةٌ من آيات الله عَزَّ وَجَلَّ لاشْتِماله على ما يَعجِز عليه البَشَر، بَل إنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ تَحدَّى البَشَر وغَيْرَهم ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨]، وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٠ - ٥١].


الصفحة التالية
Icon