وهل هذانِ المَعْنَيانِ يَتَنافَيان؟
الجوابُ: لا، وإذا كانا لا يَتَنافَيان وقد سبَق أنَّ القاعِدة في التفسير أنَّ المَعنيَيْن إذا كانا لا يَتَنافَيان فإن الآية تُحمَل عليهما جميعًا.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ يُقال: إنَّ كل إنسان يَرزُق عائِلته؛ أي: من رِزْق لله تعالى.
﴿وَمَا﴾ هذه شَرْطيَّةٌ، وفِعْل الشَّرْط ﴿أَنْفَقْتُمْ﴾، وجَوابه: ﴿فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾، واقْتَرَن بالفاء؛ لأنها جُمْلة اسمِيَّة، وَيقتَرِن جوابُ الشَّرْط بالفاء في سَبْعة مَواضِعَ، وهي المُجموعة في قوله:

اسْمِيَّةٌ طَلَبِيَّةٌ وَبِجَامِدٍ وَبِما وَقَدْ وَبِلَنْ وَبِالتَّنْفِيسِ
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ يُخلِفه أي: يَأتِي بخَلْفه، واعلَمْ أن هناك فَرْقًا بين (يَخلُف) و (يُخلِف)، فـ (يَخلُف) يُراد به الشيء الذي خلَفَ غيرَه، قال الله عَزَّ وَجَلَّ عن مُوسى عَلَيهِ السَّلَام حين وجَّه الخَلف لهَرونَ عَلَيهِ السَّلَامُ: ﴿وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ﴾ [الأعراف: ١٤٢]، أي: صِرْ خَلَفًا عَنِّي في قَوْمي، وأمَّا (أَخلَف) الرُّباعيُّ فالمُراد: أَعطَى الخَلف، فالمُخلِف مُعطِي الخَلف، و (الخالِف) الذي خَلَف غيرَه، الفَرْق بين الثلاثيّ والرُّباعيِّ، الثلاثيُّ مَعناه: خَلَف غَيرَه، والرُّباعيُّ أَعطَى الخَلف، ومنه الحديث حديثُ أبي سَلَمةَ - رضي الله عنه - قال: "اخْلُفْنِي فِي عَقِبِي" (١)، وحديث أُمِّ سلَمةَ - رضي الله عنه - قالَتْ نَفْسَ الشيءِ قالَت: "وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا" (٢)، فاجتَمَع بالحديث الكلام جَميعًا، حديث أُمِّ سلَمةَ - رضي الله عنه -:
(١) أخرجه الإمام أحمد (٦/ ٣١٣)، بلفظ: أخلفني في أهلي.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب: الجنائز، باب ما يقال عند المصيبة، رقم (٩١٨)، من حديث أم سلمة.


الصفحة التالية
Icon