بَيانًا لـ (مَا) في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ﴾.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ خَيْرُ الرازِقين، بكثرة العَطاء وبدَوام العَطاء، فمَن سِوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى من الرازِقين لا يُعطِي الكثير، وإذا أَعطَى الكثير فإنه يَمَلُّ، فلا يَستَمِرُّ في عَطائه، أمَّا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى فإنه خيرُ الرازِقين في عَطائه كَثرةً واستِمْرارًا.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: إثبات رازِقٍ سِوى الله تعالى، تُؤخَذ من قوله تعالى: ﴿وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ فإن هذا يَدُلُّ على وجود مُفضَّلٍ ومُفضَّلٍ عليه مُشتَرِكَيْن في أصل المُفضَّل به، وهو الرِّزق، ولكن رِزْق غير الله تعالى من رِزْق الله تعالى؛ لأن هذا الذي أَعطاني مثَلًا من أين له العَطاءُ؟ مِن الله تعالى، فيَكون إِعطاؤُه إيايَ من رِزْق الله تعالى الذي أَعْطاه، وأيضًا فإن رِزْق غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رِزْق مَحدود، ليس شامِلًا لكلِّ أحَد، وليس شامِلًا لكل زمَن.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: أنَّ أفعال العِباد مَخلوقة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، وفيها ردٌّ على القدَرِّية، تُؤخَذ من قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾، ونحن نَعلَم أن الرِّزق الذي يَأتينا يَكون كثيرًا من كَسْبنا، نَتَّجِر ونَحرُث ونَعمَل، ونَحصُل على الرِّزْق، فيَكون في هذا دَليلًا على أنَّ فِعْل العَبْد مَخلوق لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وفيها أيضًا رَدٌّ على الجَبْرَّية وهمُ الجَهْميَّة، أيضًا لقوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ﴾ حيث أَضافَ الفِعْل إلى العَبْد، والجبْرَّية يَقولون: إنَّ الإنسان مَسلوب القُدْرة والاختِيار، وفِعْله لا يُنسَب إليه إلَّا على سبيل المَجاز، وإلَّا فإنه لا اختِيارَ له في فِعْله.