وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [﴿لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ كَفَرُوا، وهذا تَفسير بالمَعنَى لا بالمُراد؛ لأن الظُّلْم من حيث المَعنى أعَمُّ من الكُفْر، لكنَّ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ يَقول: إنه يُراد بالظُّلْم هنا ظُلْم الكُفْر، كقوله تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة: ٢٥٤]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]، وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢].
فالظُّلْم قد يُراد به بالكُفْر، وكأنَّ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ خصَّ الظُّلْم بالكُفْر هنا، بدليل السِّياق: ﴿وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ هذا ممَّا يَدُلُّ على أن المُراد بالظُّلْم هنا ظُلْم الكُفْر؛ لأنَّ الذي يُكذَّب بالنار حُكْمه كافِر؛ لتكذيبه خبَرَ الله تعالى ورسوله - ﷺ -.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ذُوقُوا﴾ فِعْل الأَمْر، لكنه يُراد به الإهانة؛ يَعنِي: يُقال لهم إهانةً: ﴿ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ أي: أنَّ النار ستُصيبكم حتى تَذوقوها كما تَذوقون الطعام.
وقوله تعالى: ﴿الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ كانوا يُكذِّبون بالنار لأنهم يُنكِرون البَعْث، والنار إنما تَكون بعد البَعْث، وهم يُكذِّبون بذلك، ومن بابِ أوْلى أن يُكذِّبوا بما يَكون في القَبْر من العَذاب، فهم يُكذِّبون تَكذيبًا كامِلًا وَيقولون: إن الرُّوح إذا خرَجَت من الجَسَد لن تَعود إليه، وهنا قال عَزَّ وَجَلَّ: ﴿الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾، وفي سورة ﴿الم (١) تَنْزِيلُ﴾ السجدة؛ قال تعالى: ﴿ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [السجدة: ٢٠].
فعلى هاتين الآيَتين يَكون الوَصْف بالتَّكذيب، مرَّةً بالنار ومرَّة بعَذابها، فهُمْ أحيانًا يُنكِرون النار وأحيانًا يُكذِّبون التعذيب بالنار، وَيقولون: كيف نُعذَّب بالنار؟


الصفحة التالية
Icon