وقوله تعالى: ﴿مُبِينٌ﴾ هذا من باب التَّمويه، يَعنِي: أنه سِحْر بيِّن لا تَنبَغي المُجادَلة فيه؛ لبَيانه وظُهوره، وهذا كما تُؤكِّد الشيء فتَقول: هذا أَمْر بَيِّن واضِح. وإن كان ليس بَيِّنًا واضِحًا، فإن هذا الذي جاءَتْ به الرُّسُل من الآيات ليس بَيِّنًا أنه سِحْر، بلِ البَيِّن أنه حَقٌّ وآياتٌ حقيقية، لكن المُكذِّبين -والعِياذُ بالله تعالى- يُجادِلون في الحقِّ.
وقوله تعالى: ﴿مُبِينٌ﴾: قال المُفَسِّر رَحِمَهُ الله: بمَعنَى [بَيِّنٌ]؛ لأنَّ (أَبانَ) يَأتِي لازِمًا ومُتعَدِّيًا، فتَقول: أَبانَ الفَجْرُ. بمَعنَى: ظهَر الفَجرُ، وتَقول: بانَ الفَجرُ، فهُنا كلِمة ﴿مُبِينٌ﴾ بمَعنَى: بيِّن، هذا هو الأقرَبُ، أمَّا ﴿مُبِينٌ﴾ بمَعنَى: أَبانَ، أي: أَوضَحَ وأَظهَرَ، ففي مثل قوله تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ [يس: ٦٩]؛ لأنَّ القُرآن مُبين للحَقِّ، فتكون ﴿مُبِينٌ﴾ هناك من (أَبانَ) المُتَعدِّي، و (مُبينٌ) هنا من (أَبانَ) اللَّازِم.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أن الوَحْيَ آية من آيات الله عَزَّ وَجَلَّ، ووَجْهُ كونه آيةً من عِدَّة وُجوهٍ:
أوَّلًا: أنه أَعجَزَ البشَر وغير البَشَر، وهذا مَبنيٌّ على أنه من عند الله تعالى.
ثانيًا: أنَّ أَحكامَه عادِلة مُصلِحة للقُلوب، والأَبدان، والأَفراد، والجماعات، في كل زمانٍ وفي كلِّ مَكانٍ، وهذا لا يُمكِن أن يُوجَد في قَوانينِ البَشَر مَهْما عظُمَت، فإنما تَكون صالحِة في نِطاق محَدود، وتَجِدُها كذلك مع كونها صالحِة في نَطاق محَدود، تَجد فيها أُمورًا ضارَّة قد تُعادِل المَصالِح التي فيها، بخِلاف آيات الله تعالى.