ثُم تَتَفَكَّروا في شأن هذا الرسولِ الذي جاءَكم من عند الله تعالى، وقال: إنه رَسولُ الله تعالى.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ هذا القولُ هل هو مِنْ كلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ ليُبطِل قولهم؟ أو أنه ما يَتَفَكَّرون فيه، يَعنِي -كما قال الشارِح-: [فتَعْلَموا ما بصاحِبِكم من جِنَّة] المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ مَشَى على أن: ﴿مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ هو مَفعولٌ لما يَقتَضِيه التَّفكُّر، والقولُ الثاني: ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ أي: في شَأْنكم، وفي حالِكم، ثم استَأْنَف فقال تعال: ﴿مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾، وهذا من كلام الله تعالى، وليس مَفعولًا لما يَقتَضيه التَّفكُّر وهو العِلْم.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿بِصَاحِبِكُمْ﴾ المُرادُ به محُمَّدٌ رسول الله - ﷺ -، لكنه عبَّر عنه بالصاحِب المُضاف إليهم زيادةً في التَّشنيع عليهم والتَّوبيخ، كأنَّه يَقول: هذا صاحِبكم الذي تَعرِفونه، ليس رجُلًا مُنكَرًا عليكم، بل هو صاحِبكم الذين تَعرِفون عَقْله وصِدْقه وأَمانَته، فكيف تَقولون: إنَّه ساحِر، وإنَّه مَجنون، وإنه شاعِر، وإنه كاهِن، وما أَشبَهَ ذلك؟ ! ففيه إضافةٌ إليهم زيادةَ التَّشنيع عليهم، هذه واحِدة.
فيه أيضًا الإشارة إلى أنه كان يَنبَغي أن يَكونوا أوَّلَ مَن يُصدِّق به، وأَوَّلَ مَن يُناصِره؛ لأنه صاحِبهم، وصاحِب الإنسانِ مُستَحِقٌّ للنَّصْر مِنه والمُساعَدة والمُعاوَنة، فكان في الإضافة هنا فائِدتانِ:
الفائِدةُ الأُولى: زيادةُ التَّشنيع عليهم في أنهم يَصِفون صاحِبهم الذي يَعرِفونه بهذا الوصفِ.
الفائدة الثانية: أنَّه كان أَوْلى بهم وهو صاحِبهم أن يَكونوا أوَّلَ الناس تَصديقًا به، وأشَدَّ الناس مَعونةً له.