وهل المراد عذابُ الآخِرة أو يَشمَل عذاب الآخِرة والدُّنيا؟
الصحيحُ: أنه يَشَمل عذاب الآخِرة والدُّنيا، ولذلك عُذِّبَ المُكذِّبُون للرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في الدُّنيا قبْلَ الآخِرة.
فزُعماءُ قُرَيْشٍ وصَناديدُهم قُتِلوا في بَدْرٍ، وأُلقُوا جِيَفًا مُنتِنة في قَليبٍ من قُرَى بَدْر، ومَن بَقِيَ منهم كان آخِرُ أَمْرهم أن دُخِلَت عليهم البَلَد من أَقطارها، وأُذِلُّوا حتى كان الواحِدُ لا يَأمَن إلَّا بتَأمين؛ "مَن دخَل دارَه وأَغلَق عَلَيْه بابَه فهُوَ آمِنٌ، ومَن دَخَل المَسجِد فهو آمنٌ، ومَن دخَل دارَ أَبي سُفْيانَ فهُوَ آمِنٌ" (١)، ومَنْ لم يَكُنْ في هذا فلَيْسَ بآمِنٍ، وهذا من أَكبَرِ الذُّلِّ، أن تُستَحَلَّ بلَدُك ولا تَأمَن فيها إلَّا بتَأمين، هذا لا شَكَّ أنه ذُلٌّ وعارٌ.
وآخِرُ الأمر أن النبيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هو الذي مَنَّ عليهم وقال - ﷺ -: "اذْهَبُوا فَأنْتُمُ الطُّلَقَاءُ" (٢)، وهذا بلا شَكٍّ أنه عَذاب في الدُّنيا، لكن إذا أَسلَموا كان مِثلُ هذا العَذابِ كافِيًا، ومَن أَبَى وكفَر كان له العَذابُ الشديد في الآخِرة.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: دَعوةُ الإنسان المُعانِد للتَّأمُّل في الأَمْر والنَّظَر فيه، حتى لا يَتعَجَّل بالرَّدِّ لقوله تعالى: ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّه يَنبَغي لمَن طلَب الحقَّ أن يَكون مخُلِصًا لله تعالى، بَعيدًا عن الهَوَى، لقوله تعالى: ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ﴾.
(٢) انظر: سيرة ابن هشام (٢/ ٤١٢).