ولهذا أنا أَدعو نَفْسي وإيَّاكم أن يَكون عِلْمنا مُنْسابًا إلى غيرنا، بمعنى أن نَنشُر العِلْم وأن نَدعوَ الناس إليه، صحيح أن حُضورنا إلى مَجلِس العِلْم وتَعلُّمَنا لا شَكَّ أن فيه فائِدة عظيمةً، وأنه مجَلِس من مَجالِس الذِّكْر، لكن يَنبَغي أن نَنشُر هذا العِلْمَ، وأنَّ نَدعوَ الناس إليه بقَدْر المُستَطاع.
وأمَّا أن نَبقَى كنُسَخ من كُتُب، الفائِدة لا تَعدو صُدورَنا، فهذا لا شَكَّ أنه ضعيف، ولا يَليق بطالِب العِلْم، وعلينا أن نَعرِف ما جرَى لأئِمَّة المسلمين وعُلَماء المسلمين رَحِمَهُم اللهُ من الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولَسْت بذلك أُريد أن تُكرِّسوا جُهودكم كُلَّها للدعوة، لأن الدعوة بلا عِلْم ضررُها أكثر من نَفْعها، كما يُوجِد من بعض الإِخْوة الحَريصين على الخير تَجِدهم يُضيِّعون أوقاتَهم في الزيارات إلى فُلان وإلى فُلان، وفي الخُروج، حتى إن العِلْم عندهم ليس بشيء، بل تَجِدهم يَكرَهون العِلْم والتَّعمُّق فيه، ويُريدون أن تكون دَعوَتُهم دعوةً سَطْحيَّة مُهلهَلة، أيُّ إنسان يَأتيهم يَقِفون!.
وأنا أُريد منكم أن تَكونوا عُلماءَ ربَّانين، دُعاةً إلى الخير مهما استَطَعْتم، وَيكون أَجْركم على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنَّ الإنسان مَسؤُول عن عِلْمه، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما أَعطاك العِلْم إلَّا بميثاقٍ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: ١٨٧].
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾، يَعنِي: مُطَّلِع عليه، ومنه حالي معَكم، فهو مُطَّلِع عليه، مُطَّلِع على أني بلَّغْتكم وأَنذَرْتُكم، ومُطَّلِعٌ على أنَّكم كذَّبْتُموني وخالَفْتُموني، فأَجْري على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وعُقوبتكم على الله عَزَّ وَجَلَّ، كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢)


الصفحة التالية
Icon