وقوله تعالى: ﴿إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي﴾ وليس عليكم بذلك من شيء ﴿وَإِنِ اهْتَدَيْتُ﴾ لم يَقُل: فإن ذلك من نَفْسي، بل وكَلَه أو أَضافه إلى ما جاء به الوحيُ النازِلُ من عند الله تعالى؛ ولهذا قال تعالى: ﴿فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ والباء للسَّبَبية و ﴿مَا﴾ إِمَّا أن تكون مَصدَرية، وإمَّا أن تَكون مَوْصولةً إن كانت مَوْصولة فإن عائِدها مَحذوف، تَقديرُه: فبما يُوحيه إليَّ ربِّي، وإن كانت مَصدَريَّة فلا تَحتاج إلى عائِدٍ.
وقوله تعالى: ﴿يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ الوَحيُ في اللُّغة: هو الإعلام بخَفاءٍ وسُرعة، سواءٌ كان ذلك إعلامًا بالهَمْس أو الإِشارة بالعَيْن أو الإشارة باليَدِ، ومنه قوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] وما يَتكلَّم؛ لأن الله تعالى قال: ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا﴾ [آل عمران: ٤١]، إِذَنْ أَوْحَى إليه بمَعْنى: أَشار إليه.
أمَّا في الشَّرْع: فهو إعلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَحَدًا من خَلْقه بشَرْعٍ يُؤمَر بتَبليغه أو لا يُؤمَر، فإن أُمِر بتَبليغه فهو رَسول، وإن لم يُؤمَر فهو نبيٌّ.
وقوله تعالى: ﴿فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ فالإضافة هنا إضافةٌ خاصَّة ﴿رَبِّي﴾؛ لأنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رُّبه وربُّ غيرِه، لكنَّ الإضافة هنا إضافةٌ خاصَّة، تُفيد العِناية واللُّطف، لأنَّ من أَكبَر نِعَم الله على العَبْد أن يُوحَى إليه بالرِّسالة حتى يَنال المَرتَبة العُليا من بني آدَمَ.
كذلك من نِعْمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على العبد أن يُلهِمه هذه الرِّسالةَ للتَّعلُّم؛ ولهذا كان العُلَماء هُمْ ورَثةَ الأنبياء عَلَيْهِم السَّلَامُ، فهي من أَفضَل النِّعَم؛ ولهذا قال: ﴿فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾ فأَضاف الرُّبوبية إلى نَفْسه؛ لأنَّ هذه الربوبيةَ خاصَّة،