وسبب قولهِم هذا أنَّهم قالوا: لأنك لو أَثبَتَّ أنَّ للسبَب أثَرًا ذاتِيًّا لأَشْرَكْت بالله العظيم، لأنَّه لا شيءَ يُؤثِّر بنَفْسه إلَّا الله - عز وجل - فإن أَثبَتَّ أنَّ الحَصاة تَكسِر الزُّجاجة، هي نَفْسُها تكسِر الزجاجة فهذا شِركٌ بالله تعالى، مَعناه: أنك جعَلْت هذه تُؤثِّر، ولو أن رجُلًا أُتِيَ بلَخم فجعَل يُجزُّ بالسِّكِّين وَيقطَع يَقول: فقَطْعه بالسِّكين عند السِّكين لا بها. انظُروا كيف أن العُقولَ تَصِل إلى هذا الحدِّ؟ ! ولو أن الزُّجاجة فرع عِندها الحصاةُ، بل ضعها فَوقَها فلا تَنكَسِر، ولو أَقبَل الحجَر على الزُّجاج إقبالًا ولم يَمَسَّها لكنه حَفَّ من حولِه عِندَه ما يَنكَسِر، وكيف يَنقَطِع عنها فنَقول: إنَّ الأسبابَ مُؤثِّرة بنَفْسها، لكن مَن خَلَقَ فيها التأثيرَ؟ !
الجوابُ: الله - عز وجل -، والله - سبحانه وتعالى - على كل شيء قدير، لو أنك قُلْتَ لصبِيٍّ: أَدخِل الورَقةَ في النار. واحتَرَقَت، إنَّ النار ما أَخرَقَتْها، ولا تَسبَّبت في إِخراقها، وإنما عند النارِ، لا بالنار. ما هذا الكلامُ، هذا كلامُ سخَف.
فنَقول: إثبات الأَسباب دلَّ عليه السَّمْع والعَقْل، ولكنَّها تُؤثِّر، لأنَّ الله تعالى خَلَق فيها التأثير، والدَّليلُ على ذلك أنَّ النار مُحرِقة، فقال الله - عز وجل - لها حين أُلقِيَ فيها إبراهيمُ - عليه السلام -: ﴿قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (٦٩)﴾ [الأنبياء: ٦٩]، فكانت بَردًا وسلامًا.
إِذَنْ: هذا السبَبُ المُؤثِّر زال تَأثيرُه بأمْر الله تعالى: ﴿كُونِي بَرْدًا﴾ فكانَتْ بَردًا وسلامًا، فالماء جَوهَر سَيَّال، فكان بإِذْن الله تعالى كالجِبال حين ضرَبَ مُوسَى عَلَيهِ السّلام بعَصاه البَحر فانفَلَق، فكان كلُّ فِرْقٍ كالطَّوْد العظيم.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: إثبات سمع الله - سبحانه وتعالى - وقُرْبِه، لقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: إثبات هذَيْن الاسْمَيْن أيضًا: السميع والقريب.