وقوله تعالى: ﴿مِثْقَالُ ذَرَّةٍ﴾ يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: إنها صِغار النَّمْل [أَصْغَرِ نَمْلَةٍ] أَفادَنا المُفَسّر رَحِمَهُ اللهُ أنَّ من النَّمْل ما هو صغير وما هو كبير، ونحن في عُرْفِنا على خِلاف ذلك، عندنا أن النَّملةَ نَوْع مُعين من الذّرّ، وعندنا الذّرَّة الصِّغار، وعندنا شيء يُسمَّونه نَمْلة؛ والنَّمْل مَعروف أنه الذي أَكبَرُ من الذّرّ قليلًا ودون القَعْرِ.
يَقولون: إن هذا القَعْرَ من أَعْنَدِ ما يَكون، يُضرَب بها المَثَلُ في العِناد؛ لأنك تُزَحْزِحها عنك، ولكنها تَرجع، ثُمَّ إذا أمْسَكَتْ ثَوبَك أو جِلْدك ما يُمكِن أن تَنفَكَّ، تَنقَطِع ولا تَنفَك -سُبحان الله تعالى-، ومن عِنادها أنها إذا أَمسَكَتْ في الثَّوْب يَعنِي: عَضَّتْه بقَرْنيها أو الجِلْد ما تَزَحْزَح أبدًا حتى تَنقَطِع، وفيها أيضًا يُسمُّونها عندنا القِعْس، ولكن هذه أنواع لجِنْس في الواقِع، وكلُّها تُسمّى نَمْلًا، وكلّها ذَرُّ؛ ولهذا نَهيُ الرسول - ﷺ - عن قَتْل النَّمْل (١) يَشمَل هذا كلَّه.
قول المُفَسّر رَحِمَهُ اللَّهُ: ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ بَيِّنٍ، وَهُوَ اللَّوْحُ المَحْفُوظُ] هل في هذا إثبات العِلْمِ، من قوله تعالى: ﴿وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾؟
الجوابُ: نَعَمْ فيه إثبات العِلْم؛ لأنَّه لا كتابةَ إلاَّ بعد العِلْم؛ فكِتابة المَجهول لا تُتصوَّر، فيَكون فيه فائِدة زائِدة على إثبات العِلْم؛ وهو أنَّ معلومَ الله مَكتوب في اللّوْح المَحفوظ.
وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: الجنَّة وما فيها شيءٌ واقِع يَختَصُّ بعِلْم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى؟

(١) أخرجه الإمام أحمد (١/ ٣٣٢)، وأبو داود: كتاب الأدب، باب في قتل الذر، رقم (٥٢٦٧)، وابن ماجه: كتاب الصيد، باب ما ينهى، عن قتله، رقم (٣٢٢٤)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.


الصفحة التالية
Icon