وقوله تعالى: ﴿آمَنُوا﴾ الإيمان في اللُّغة: التَّصديق، وفي الشَّرْع: التَّصديق المُستَلزِم للقَبول والإِذْعان، وليس مجُرَّدَ تصديقٍ، بل هو التَّصديق المُستَلزِم للقَبول والإِذْعان؛ القَبول في الأَخْبار، والاِذْعان في الطَّلَب، فيقبَل -مثَلًا-: ما أَخبَرَ الله تعالى به رسوله - ﷺ -، ويُقبَل: كونُ هذا الحكْمِ فَرْضًا وكونُه تَطوُّعًا، وما أَشبَه ذلك، ويُذعَن لذلك؛ بمعنى: أنَّه يُتعبَّد لله تعالى بمُقتَضي ما آمَن به، وبمُقتَضى ما شَرَعه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
وفي قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ يَعنِي: عمِلوا الأعمالَ الصالحِاتِ، فتكون ﴿الصَّالِحَاتِ﴾ وَصْفَا لمَوْصوفٍ محَذوف، وحَذْفُ المَنعوت جائِز إذا قامَتِ القَرينة عليه، قال ابنُ مالِك رَحِمَهُ اللهُ:

وَمَا مِنَ المَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ عُقِلْ يَجُوزُ حَذْفُهُ وَفي النَّعْتِ يَقِلّ (١)
ومن حَذْفِ المَنعوت قولُه تعالى: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾ [سبأ: ١١] أي: دُروعًا سابِغاتٍ، فعَلى هذا تكون: ﴿الصَّالِحَاتِ﴾ صِفةً لمَوْصوف مَحذوف؛ أي: الأَعْمال الصالحِات.
وما هي الأعمال الصالحات؟
الجوابُ: العمَلُ الصالِح؛ هو الذي جمَع بين أَمْرَيْن: الإخلاصُ لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، والمُتابَعةُ للرسول - ﷺ -، فإن فُقِد الأَوّل لم يَكُن صالِحًا؛ وكان مَردودًا على العامِل؛ وإن فُقِد الثاني لم يَكُن صالحًا، وكان مَردودًا على العامِل أيضًا.
والدليل في الأوَّل قال الله تعالى في الحديث القُدسيِّ: "أنا أَغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ
(١) الألفية (ص: ٤٥).


الصفحة التالية
Icon