وقد سبَق أنَّ القِراءَتَيْن قد تَدُلُّ كل واحدة منهما على مَعنًى يُكمِل القِراءة الأُخرى؛ فأيُّهما أَبلَغُ (المُعجِز) أو (المُعاجِز)؟
الجوابُ: (المُعاجِزُ) أَبلَغُ في الطُّغْيان؛ لأنَّه: أَراد أن يَجعَل نَفْسَه حَرْبًا لله عَزَّ وَجَلَّ مُقابِلًا له، فما جَزاؤهم؟ قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾ [سبأ: ٥].
فقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ﴾ نَقول في إعراب هذه الجُمْلةِ كما قُلْنا في قوله سُبْحَانهُ وَتَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ فهي مُبتَدَأ، وخَبَرُه الجُمْلة بعدَه ﴿لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾ العَذاب بمَعنَى: العِقاب، والرِّجْز يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [سَيِّئِ العَذَابِ]، الرِّجْز هو السَّيِّئُ من كل شيء، فإذا قيل: عَذابٌ مِن رِجْز. فمَعناه: سَيِّئ العَذاب، بل إنَّه أَسوَأُ العذاب، فإنَّ أَعظَمَ عَذاب يُعذَّب به البَشَر هو عَذاب النار -نَسأَل الله العافِيةَ- فهو أَسوَأُ العذاب.
وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [﴿أَلِيمٌ﴾ أَيْ: مُؤْلمٌ بِالجْرِّ وَالرَّفْعِ]، يَعنِي: القِراءَتان [صِفَةٌ لِرِجْزٍ أَوْ عَذَابٍ] يَعنِي: كلِمة (أَليم) فيها قِراءَتان: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾ أو ﴿عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾.
أمَّا كونُ (أَليم) صِفة لعَذاب فهي كثيرة في القُرآن، ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ﴾ كثيرًا ما يَصِف الله تعالى العَذاب بالأَلم، وأمَّا (الرِّجْز) فإنها كانت صِفة لها؛ لأنها أقرَبُ من (عَذاب)، وعليه فإذا قُلْتَ: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾ برَفْع (أَليمٌ) قُلْنا: إنها صِفة لـ (عَذاب) وإذا قُلتَ: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٍ﴾ بجَرِّ (أَليمٍ) قُلْنا: إنها صِفة لـ ﴿رِجْزٍ﴾.
ويَجوز أن تُقرَأ بهذا وبهذا، بل يُستَحَبُّ لك أن تَقرَأ بالقِراءَتَيْن جميعًا وبالثلاث