النَّصارى، ورأَى أن الذي أُنزِل إلى النبيِّ عَليهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حقّ، وعبدُ الله بْنُ سَلَامٍ من أَحبار اليَهود رأَى أن الذي أُنزِل على النبيِّ - ﷺ - هو الحَقُّ، وكذلك أيضًا مَن آتاه الله تعالى عِلْمًا من هذه الأُمَّةِ فإنه يَرَى أنَّ الذي أُنزِل إلى النبيِّ - ﷺ - هو الحَقُّ، بخِلاف مَن كان جاهِلًا فإنَّ إيمانه إيمانُ تَقليد، وهو وإن كان مجُزِئًا عنه لكنه ليس كإيمان الذي آتاه الله تعالى العِلْم.
وَيدُلُّ على أن المُراد بالذين أُوتوا العِلْم ما هو أَعَمُّ قولُه تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: ١٨] فالذين أُوتوا العِلْم هم الذين يَرَوْن أنَّ ما أُنزِل إلى النبيِّ - ﷺ - هو الحقّ؛ وذلك بما آتاهمُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى من العِلْم الراسِخ في قُلوبهم.
ولهذا تَجِد عِبادة العامِّيِّ يَعبُد الله عَزَّ وَجلَّ عِبادةً أَشبَهَ ما تَكون بالعادة، وإن حضَر في قَلْبه الإنابةُ والخُشوعُ والاستِحْضارُ، لكنه ليس كالذي يَعبُد الله تعالى على بَصيرة وعلى عِلْم؛ لأنَّ في قَلْب هذا مِن اليَقين ما ليس في قَلْب الأَوَّل، فيَكون عامًّا.
وقوله تعالى: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ﴾ إذا كانت (يرَى) عِلمِيَّة فإنها تَنصِب مَفعولين: المَفعول الأوَّل: ﴿الَّذِي أُنْزِلَ﴾ الاسْمُ المَوصولُ، والمَفعول الثاني: ﴿هُوَ الْحَقَّ﴾، وأمَّا ﴿الَّذِينَ﴾ الأُولى فهي فاعِل.
قوله رَحِمَهُ اللهُ: [﴿الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ يَعنِي: الْقُرْآنَ]، فإن الله تعالى أَنزَله إلى النبي - ﷺ - بواسِطة جِبريلَ علَيهَ السَّلام.
وقول تعالى: ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ هنا أَضاف الرُّبوبية إلى النبي عليْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ لأنَّ الوَحيَ رُبوبية خاصَّةٌ، إذ لا أحَدَ يُشارِك النبي عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ من هذه الأُمَّةِ في ذلك؛ فلهذا أَضاف الرُّبوبية إليه وحدَهُ؛ فقال تعالى: ﴿الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾