وهُما الافتِراءُ على الله، والثاني الجُنون ﴿أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾ أي: جُنون تَخيَّل له ذلك به.
فَإنْ قِيلَ: هل هناك حالٌ ثالِثة؟
فالجوابُ: نعَمْ، هناك حالٌ ثالِثة، لكنَّهم لا يُقرُّون بها، وهو أنه صادِق عاقِل، صادِق لم يَفتَرِ، وعاقِل ليس به جِنَّة، وهذا هو الواقِع، لكنهم هم -والعِياذُ بالله تعالى- أَسقَطوا هذا القِسْمَ الثالِثَ؛ لأنهم لا يُقِرُّون به.
ومن عَجَبٍ أنَّ هؤلاءِ الذين يَقولون في الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هذا الوَصْفَ: إنه إمَّا (مُفتَرٍ) أو (مَجنونٌ) أو (شاعِرٌ) أو (كاهِنٌ) أو ما أَشبَه ذلك؛ كانوا يُسمُّونه قبل النُّبوة (الأَمِين)، ويَرَوْن أنه من أَصدَق الناس وأَعظَمِهم أمانةً؛ لكن -والعِياذُ بالله تعالى- لمَّا جاء بما لم يُوافِقْ أهواءَهُم صاروا يُلقِّبونه بهذه الألقابِ.
وهذه الألقابُ السَّيِّئةُ التي لَقَّب المُشرِكون بها رسول الله - ﷺ - مَوروثة ورِثَها أعداءُ المُؤمِنين وأَوْلياء المُجرِمين كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ﴾ [المطففين: ٢٩ - ٣٠]، فهذه الأَلْقابُ السَّيِّئة مَوجودة الآنَ، كلُّ أَعداء الرُّسُل يُلقِّبون أولياءَ الرُّسُل بمِثْل ما لُقِّب به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وسبَق في العَقيدة أنَّ مِن الناس مَن يُلقِّب أهل السُّنَّة والجماعة بـ (الحشَوِيَّة) و (النوابت) و (الغُثاء) و (المُجَسِّمة) وما أَشبَه ذلك؛ كل هذا تَنفيرًا للناس عن سُلوك مَذهَبِهم.
يَقول تعالى: ﴿أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾ قال الله مُبطِلًا ذلك: ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ [المُشْتَمِلَةِ عَلَى الْبَعْثِ وَالْعَذَابِ ﴿فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾ عَنِ الحَقِّ في الدُّنْيَا]،


الصفحة التالية
Icon