وبهذا تارةً؛ لأنها كُلُّها حَقٌّ، وكونه يُلتَزَم قِراءة واحِدة فهذا فيه قُصور؛ إلاَّ أن القِراءاتِ التي لم تَتيقَّن أنها ثابِتة فلا يَجوز لك أن تَقرَأ بها؛ لأنه يَجِب أن تَقرَأ بما ثبَتَ عِنْدك.
وقوله تعالى: ﴿نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [وفي قِراءة: في الأَفْعال الثلاثة بالياء] والأفعال الثلاثة (يَشَأْ)، (يَخْسِفْ)، و (يُسْقِطْ)، بالياء فيُقال: (إِنْ يَشَأْ يَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كسَفًا مِنَ السَّمَاءِ) والفاعِل في الضمائر هنا يَعود على الله، أمَّا على قراءة النُّون: (إِنْ نَشَأْ) فالأَمْر ظاهِرٌ؛ لأنَّ الضمير فيها ضمير المُتكلّم، لكن على قِراءة الياء الضميرُ فيها ضَميرُ الغائِب، وضميرُ الغائِب لا بُدَّ فيه من مَرجع يَرجِع إليه إمَّا سابِق وإمَّا لاحِق، فأَيْنَ مَرجِعُ الضمير ﴿إِنْ نَشَأْ﴾؟
الجوابُ: يُقال: إنه مَعلوم من السِّياق، كما في قوله تعالى: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٨]، مَن الذي خَلَقه؟ الله تعالى، فهُنا يَعلَم كلُّ أَحَدٍ أنه لا يَستَطيع أحَدٌ من البَشَر -ولا من غير البَشَر- أن يَخسِف الأرض بالناس، أو يُسقِط عليهم قِطَعًا من العذاب، فيَكون مَرجِع الضمير مَعلومًا بالسّياق.
قوله المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المَرْئِيِّ ﴿لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ رَاجع إِلَى رَبّهِ، تَدُلُّ عَلَى قُدْرَةِ الله عَلَى الْبَعْثِ وَمَا يَشَاءُ]، يَعنِي: إنَّ الآية تَدُلُّ على البَعْث، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ أي: فيما بين أيديهم من السماء والأَرْض، يَعنِي: يَشمَل كلَّ ما سبَقَ، وكلَّ ما مَضَى، وكلَّ ما أَمامَهم مِن مَكان، وكلَّ ما كان خَلْفَهم، ومن ذلك أننا نرَى الآيةَ في السَّماء يَنزِل المَطَر من السَّماء على الأَرْض الهامِدة اليابِسة فتَرجِع مخُضَرَّة حَيَّة؛ أَفَلا يَكون في ذلك دليلٌ على إمكان إعادة الخَلْق؟