الإيمانُ بالله تعالى، ومَلائِكَته، وكُتُبه، ورُسُله، وهو أيضًا رسولٌ؛ لأن كلَّ نَبيٍّ ذُكِر في القُرآن فهو رَسولٌ.
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾: ﴿مِنَّا﴾ بدَأَ بالجِهة قبلَ الفَضْل؛ ليَتبَيَّن عِظَم ذلك الفَضلِ؛ لأن الشيءَ إذا نُسِب إلى جِهة عظيمة كان عَظيمًا كما في قوله في الحديث الصحيح: "وَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْني" (١) قال: "مِنْ عِنْدِكَ" فأَضافَها إلى الله تعالى؛ حتى يَتبيَّن في ذلك عِظمُها.
قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: ﴿آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا﴾ [نبوَّةً وَكِتَابًا]، وهذا الذي فَسَّر المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ به مِن باب التَّمثيل، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعطاه النُّبوَّة والرِّسالة أيضًا، وأَعْطاه الكِتاب قال الله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [النساء: ١٦٣]، وهل أَعطاه شيئًا آخَرَ غيرَ هذا؟ نَعَمْ؛ ولهذا نكَّر كلِمة (فَضْل)، جاءَت مُنكَّرة؛ لتَشمَل كُلَّ ما أُعطِيَه من فَضْلٍ؛ سواءٌ كان ذلك دِينِيًّا أو دُنيوِيًّا.
وكان داودُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ من أَحسَن الناس صوتًا وتَرنُّمًا بالذِّكْر، حتى إن الله أمَرَ الجِبال أَمْرًا إمَّا كَوْنيًّا وإمَّا شَرْعيّا؛ فقال تعالى لها: ﴿يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ﴾ (أوَّبَ) بمَعنَى: (رجَّع)، ومنها (الأوَّاب) أيِ: (الرجَّاع) إلى الله تعالى، ومنْه (آبَ، يَؤُوبُ، أَوْبًا) بمَعنَى: (رَجَع)، فـ (أَوِّبِي مَعَهُ) أي: رَجِّعي معه، والتَّرجيع مَعناه: أنَّ تُردِّد الصوت الذي يَقوله، فمَثَلًا: إذا قَرَأ سمِعْتَ كأنَّ الجِبال التي حولَه كلها تَقرَأ بقِراءته.
وهذا غَيرُ ما نَسمَعه نحن من الصَّدَى الذي يَحصُل لكل إنسان؛ لأنَّ هذا الصَّدَى الذي يَحصُل لكل إنسان إذا كانت قد أَحاطَتْ به الجِبال هذا أَمْر طَبيعيٌّ،