قال العُلَماء رَحِمَهُم اللهُ: فدَلَّ ذلك على أن الحِجارة أقسَى، ولمَّا شَبَّه الله تعالى القُلوب القاسِيةَ قال: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [البقرة: ٧٤].
الفائِدةُ التَّاسِعَةُ: في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنَّ على داوُدَ عَلَيْهِ السَّلام، وعلى غيره بتَعليمه هذه الصَّنْعةَ، وهي صَنْعة الدُّروع كما قال تعالى: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٨٠]، وهذا التَّعليمُ الذي علَّمه الله تعالى داوُدَ عليْهِ السَّلام بَقِيَ إلى يَوْمنا هذا، وهذا كما عَلَّم الله تعالى نُوحًا عليه السَّلام صُنْع السَّفينة؛ وأَشار الله تعالى إلى مَوادِّ بِنائها في قوله تعالى: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ [القمر: ١٣]، أي: مَساميرَ.
الفائِدةُ الْعَاشِرَةُ: أنَّه يَنبَغي لمَن صَنَع شيئًا أن يُكمّله؛ لقوله تعالى: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ﴾، ولا يَنقُص منه شيئًا.
وَينبَغي لمَن صَنَع شيئًا أن يُتقِنَه؛ لقوله تعالى: ﴿وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ﴾ أَيْ: إِكْمالًا وإِتْقانًا.
الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أنه يَجِب على مَن أَنعَم الله تعالى عليه نِعمةً أن يَقوم بشُكْرها بالعمَل الصالِح؛ لقوله تعالى: ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾.
الفائِدةُ الثَّانِيَةُ عَشْرَةَ: أنَّ الله تعالى إذا أَنعَمَ على شَخْص من القَبيلة بنِعْمة فإنه إنعامٌ على القَبيلة كلها، ووجهُ ذلك: قوله تعالى: ﴿وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ فوجَّهَ الخِطاب إلى آل داوُدَ عليهِ السَلام كلهم، مع أن الفَضْل خاصٌّ بداوُدَ عليهِ السَّلام؛ ولهذا إذا نبَغَ نابِغة في قبيلةٍ من القبائل فإنَّه يَرفَع قَدْر هذه القَبيلةِ كلّها، كما أن العَكْس بالعَكْس إذا سَفُل أحَدٌ من القبيلة عُيِّرتِ القَبيلة به كلُّها، وهذا أمر معلوم.