ما استَطاعوا إلى ذلك سبيلًا، وسُلَيمانُ عَلَيهِ السَّلام يَستَطيع ذلك، فلا يُقال: إنه شَريك لله تعالى؛ لأن الذي سخَّر الريح له هو الله تعالى.
ولهذا لا نَقول: إنَّ عِيسى عَلَيهَ السَّلَامُ شَريك مع الله تعالى في الخَلْق، حيث قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي﴾ [المائدة: ١١٠]؛ لأنَّ قُدرة هَؤلاء الخَلْقِ على ما يَقدِرون عليه ممَّا لا يَقدِرُ عليه غيرهم من المَخلوقين إنما كانت بأَمْر الله، فهم لم يَستَقِلُّوا بذلك، ولكن الله تعالى أَعطاهم قُدرةً، كما أن الله تعالى يَمُنُّ على بعض العِباد بقُدْرةٍ هائِلةٍ في الحِفظِ أو في الفَهمِ أو في قُوَّة السَّمْع أو البَصَر أو البَدَن أو غير ذلك، فالرّيحُ هي الهواء سُخِّرت لسُلَيْمانَ عَلَيهَ السَّلام.
وقول المُفَسّر رَحِمَهُ اللَّهُ: ﴿الرِّيحَ﴾، وفي قراءة: [وَقِرَاءَةُ الرَّفْعِ بِتَقْدِيرِ: تَسْخِيرِ] تَركيب المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ هنا لبَيان القِراءة الثاني غريب، ما كان مَعهودًا منه، وكان الأَوْلى أن يَقول: وفي قِراءةٍ بالرَّفْعِ على تَقدير تَسخير. هذا هو الأَوْلى؛ لأن قوله: وقِراءَةُ الرَّفْعِ. لم نَستَفِدْ: هل هذه القِرْاءةُ سَبْعيَّة أو شاذَّة؛ لأن المَعهود أنه يَقول في السَّبْعية: وفي قراءة. وفي الشاذِّ يَقول: قُرِئ. وهنا يَقول: وقِرَاءَةُ الرَّفْعِ. ما نَدرِي! لكن على كلِّ حال القِراءةُ سَبْعيَّة، ففيها قِراءَة: (وَلِسُلَيُمَانَ الرِّيحُ غُدُوُّهَا شَهْرًا).
وقوله تعالى: ﴿الرِّيحَ﴾ إعرابُها على هذه القِراءةِ.
نَقول: إنها مُبتَدَأ مُؤخَّر، وأَصْل الكلام: تَسخيرُ الريح؛ فحُذِف المُضاف وأُقيم المُضاف إليه مَقامَه، وابنُ مالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقولُ (١):
وَمَا يَلي المُضَافَ يَأْتِي خَلَفَا | عَنْهُ في الِاعْرَابِ إِذَا مَا حُذِفَا |