فسكت عنه، وانصرفوا إلى المدينة فكانت وقعة بعاث فحج١ نفر من الأوس والخزرج فلقيهم رسول الله ﷺ كعادته في الموسم يعرض نفسه على القبائل، فلقي ستة نفر منهم أسعد بن زرارة فجلس معهم وكلمهم ودعاهم إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن، وكان مما صنع الله أنهم كانوا أصحاب أوثان ومعهم ببلادهم طوائف من اليهود أهل كتاب وعلم فإذا كان بينهم منازعة قالوا لهم: إن نبيا يبعث قد أظل زمانه فإذا بعث تبعناه ونقتلكم معه قتل عاد. فلما كلمهم النبي ﷺ قالوا: وهذا والله النبي ﷺ الذي توعدنا به يهود، فاستبقوهم إليه ففعلوا، فسمعوا منه القرآن، ودعاهم إلى الإسلام فأسلموا وأذعنوا وأراد أن يتوجه معهم إلى بلادهم٢ وقالوا له: إنا تركنا وراءنا قوما لا قوم بينهم من العداوة والبغضاء والشر ما بينهم، فعسى الله أن يجمعهم بك وسندعوهم إليك، فإن أجابوا فلا رجل أعز منك، ثم انصرفوا مسلمين فدعوا قومهم إلى الإسلام فلم يبق دار٣ من دور الأوس والخزرج إلا وفيها ذكر رسول الله ﷺ حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم اثنا عشر رجلا فيهم عبادة بن الصامت وغيره من الخزرج وعويم بن ساعدة وغيره٤ من الأوس، وفيهم من الستة الأول أسعد بن زرارة

١ ومن هنا إلى قوله: "وكان مما صنع" من تعبير الحافظ، وما بعده من رواية ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه، وقد حذف الحافظ منه وزاد وتصرف كثيرا. انظر "سيرة ابن هشام" "١/ ٤٢٨-٤٢٩"، و"تفسير الطبري" "٧/ ٨٠".
وقد يوهم هذا التعبير أنه لقي نفرا من الأوس والخزرج، والذي قاله ابن إسحاق: "فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرًا... " ثم عدد أسماءهم وهم:
١- أسعد بن زرارة. ٢- عوف بن الحارث.
٣- رافع بن مالك. ٤- قطب بن عامر.
٥- عقبة بن عامر. ٦- جابر بن عبد الله.
٢ لم تذكر هذه الإرادة في خبر ابن إسحاق.
٣ في الأصل: دور وهو خطأ.
٤ وهو أبو الهيثم بن التيهان، فلم يشهدها منهم سوى اثنين انظر "سيرة ابن هشام" "١/ ٥٣٣".


الصفحة التالية
Icon