قالت - رضي الله عنها -: "وَمَا يَضُرُّ الشاةَ سَلْخُ جِلْدِها بعد موتِها؟ " (١)؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لا يؤثِّر.
فكان جَوَابهم أن قالوا: ﴿لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ﴾، قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَهُ: [﴿لَا ضَيرَ﴾ لا ضررَ علينا فِي ذلكَ]، ما شاء الله! يعني: لقوَّة إيمانهم قالوا: هَذَا لا يَضُرُّنا، ولا يؤثِّر، وفي هَذَا من التحدِّي وإظهار القوَّة والشجاعة ما هُوَ ظاهرٌ؛ لأنَّهم يخاطبون أعتَى أهل الأرضِ، وَهُوَ فِرْعَوْنُ، يقولون: لَا ضَيْرَ، افعلْ ما تريدُ، لا يُهِمُّنَا، وصَدَقُوا أَنَّهُ لا ضيرَ عليهم فِي ذلك ما دامَ تَعذِيبُهم هَذَا فِي ذاتِ اللهِ، فهم هنا إنَّما يعذَّبون فِي ذاتِ اللهِ فقطْ، وهذا لا يَضُرُّهُمْ أبدًا، بل يَزيدهم رفعةً، ولذلك كَانَ ذِكْرهم إِلَى يومِ القيامةِ، فأشادَ اللهُ تعالى بذِكْرِهِمْ فِي القُرآنِ، وسَيَبْقَى إِلَى يومِ القيامةِ، وهذا فيه أكبرُ منفعةٍ.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿إِنَّا إِلَى رَبِّنَا﴾ بعدَ مَوتِنا بأيِّ وجهٍ كَانَ ﴿مُنْقَلِبُونَ﴾ راجعونَ فِي الآخرةِ]، يعني: يقولون: مهما كَانَ حَتَّى لو بَلَغْنَا إِلَى الموتِ فإنَّ النهايةَ أننا سَنَرْجِعُ إِلَى رَبِّنا، ورُجُوعُنا إِلَى ربِّنا خيرٌ من الدنيا؛ لأنَّهم يَرْجِعُون إِلَى نَعيمٍ أَبَدِيٍّ لا يُمَاثِلُه شيْءٌ من نَعيم الدُّنيا، وفي سُورةِ طه: ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [طه: ٧٢]، يعني: اقضِ ما تريدُ، غاية ما يكونُ أنْ يكونَ تَعْذِيبُكَ مُوصِلًا إِلَى الموتِ، وإذا أوصلَ إِلَى الموتِ فالنتيجةُ ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾، ممَّا يدلُّ عَلَى أَنَّهُم صادقونَ فِي الإيمانِ، وأن إيمانَهم راسخٌ جِدًّا.
وفي هَذَا من آياتِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وبيانِ قُدْرَتِهِ ما هُوَ ظاهرٌ، ففي لحظةٍ واحدةٍ انقلبَ الكفرُ العظيمُ إِلَى إيمانٍ عَميقٍ، فبمجرَّد أنْ رَأَوْا ما تَفْعَلُه عَصَا مُوسَى انقلبوا