يُفَرَّق بينهما عندَ الإجتماعِ فقطْ، وأمَّا إذا أُفردت إحداهما فإنها تشملُ الأخرى، ففي سُورَة آلِ عِمران: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٩٠ - ١٩١]، إِلَى أن قالوا: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا﴾ [آل عمران: ١٩٣]، ففرّقوا بين الذُّنوبِ والسيئاتِ، فالذُّنوبُ طَلَبُوا مَغْفِرَتَها، والسيئاتُ طلبوا تَكفِيرَها؛ لأنها من الصغائرِ الَّتِي تكفّرها الأعمالُ الصَّالحةُ، والسيئاتُ المُرادُ بِهَا هنا الكبائرُ، الَّتِي لا تزولُ إلا بمغفرةٍ، لا بتكفيرٍ.
قال تعالى: ﴿أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ هَذَا لَيْسَ من بابِ الإدلالِ عَلَى اللهِ والمِنَّة عليه بكونهم أولَ المُؤمِنينَ، ولكن من بابِ التحدُّثِ بنعمةِ اللهِ الَّذِي يَرَوْنَهُ سببًا ووسيلةً لمغفرةِ الذُّنوبِ؛ لِأَنَّ السبقَ إِلَى الإيمانِ وإلى العملِ الصَّالحِ مَنْقَبَةٌ، ومن أسْبابِ الرُّتَبِ العاليةِ، ولهذا قال الله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [الحديد: ١٠]، فالسبقُ إِلَى الإيمانِ والعمل الصَّالح له مَزِيَّتُه، ولصاحبِهِ مرتبةٌ عاليةٌ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَؤُلَاءِ السَّحَرَةُ هم الَّذين أَتعبوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بعدُ؟ أم هَؤُلَاءِ قُتلوا؟
فالجَواب: لا، هَؤُلَاءِ إيمانهم صحيحٌ، وهَؤُلَاءِ إما أَنَّهُم قُتِلُوا مباشرةً، أو أَنَّهُم لم يحدثْ لهم شيْءٌ، أما الَّذين آذَوه فهم قومُه.