والثالثة: إذا ضَرَبَ بِهَا الحَجَرَ تفَجَّر عُيونًا.
فهذه ثلاثُ آياتٍ، أما البقيَّة: فالإتِّكاء عليها، والهَشّ بِهَا عَلَى الغنم، ودفع الصَّائل، وما أشبهَ ذلك، فهذه ليستْ منَ الآيَاتِ، بل من الأمورِ المعتادَة.
وقوله: ﴿الْبَحْرَ﴾ المُراد بِهِ البحرُ الأحمرُ، ويُسَمَّى بَحْرَ القُلْزُم، هَذَا البحرُ انفلقَ ﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ كالجبلِ العظيمِ، يعني: لِكِبَرِه وارتفاعه؛ لِأَنَّ قاعَ البحرِ قويٌّ عميقٌ، فيكون كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ للكِبَر وللإرتفاعِ، وظاهرُه أَنَّهُ عريضٌ؛ لِأَنَّ الطودَ العظيمَ يتناولُ الكِبَر والإرتفاعَ والعَرْض، وَهُوَ كذلك، وهذا من آياتِ اللهِ؛ لِأَنَّ العصا إذا ضربت لا تَتَّسِع لمكانٍ واسعٍ، وهذه الأطوادُ - الإثنا عَشَرَ - مكانها بلا شكّ واسعٌ، والطرقُ أيضًا ستكونُ واسعةً.
ثم إن فِي هَذِهِ الضربة من آياتِ اللهِ - غير انفلاق البحر - أَنَّهُ صارَ يَبَسًا، يَبِسَ فِي الحالِ، قال تعالى: ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾ [طه: ٧٧]، وهذا أيضًا من آياتِ اللهِ، أن الله أزال عنهم الخوفَ وألقاه عنهم، وإلَّا فطبيعة البشرِ تَقتضي إذا كَانَ الماءُ عَلَى يمينِه ويسارِه كالأطوادِ أن يخافَ، ولكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ألقى عنهمُ الخوفَ، فلم يَخَافُوا أبدًا.
وفي قوله: ﴿كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ ظاهرٌ أنَّ الماءَ لم يَتَغَيَّرْ، يعني: لم يتجمَّدْ بالمَعْنى المعروفِ، فيكون أبيضَ جامدًا، ولكنَّه بقِيَ جامدًا عَلَى طبيعته أسودَ، وهذا أعظمُ ممّا لو تَجَمَّد وَهُوَ عَلَى غيرِ طبيعتِه لصارتْ فيه آيةٌ واحدةٌ، وهي سرعةُ التجمُّد بهذه اللحظةِ، فكونه لا يَسيل وَهُوَ جامدٌ أمرٌ طبيعيٌّ عاديّ، لكن كونه يبقى مائعًا ولكن لا يَسيل، فهَذَا أبلغُ من ذلك. ففيه آيتان: أَنَّهُ لا يسيل، وأنه لا يسيل وَهُوَ عَلَى طبيعته، والله تعالى عَلَى كل شيْءٍ قديرٌ.