فَإِنْ قِيلَ: كيف يكونون المختارينَ ثم يقولون: ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾؟ !
فالجَواب: نعمْ، لا شكَّ أن هَذَا فِي الحَقِيقَةِ مما يدلُّ عَلَى أَنَّهُم مهما بَلَغُوا بالكمالِ أَنَّهُم ليسوا كهذه الأمَّة.
فَإِنْ قِيلَ: الظَّاهرُ أنَّ إيمانَهم ضعيفٌ؛ لأنَّهم وَصَلُوا إِلَى حدّ عبادةِ الصنمِ؟
قلنا: لا، هم طلبوا إلهًا، لكن مُنعوا، وقد عبَدوا العجلَ بعدَ أنْ غاب عنهم مُوسَى. وهم عَلَى كلِّ حالٍ حَتَّى لو كَانَ إيمانهم ضعيفًا فِي أوَّل الأمر، ونحن لا نعلم عن إيمانهم، لكن ظاهرُ الآياتِ أَنَّهُم مُنّ عليهم بهذا لكمالِ إيمانهم، والْإِنْسَان إذا توفرتْ لديه النعمةُ قد يَختلف حالُه، فهم خرجوا فِي الأوَّل وهم فِي قِلّة وفي ضعف وفي خوفٍ، وهم أقربُ إِلَى الإيمان مما إذا نُعِّمُوا هَذَا النعيم؛ لِأَنَّ العادة أن الْإِنْسَان إذا نُعّم فَإِنَّهُ يَحْصُلُ منه الأَشَرُ والبَطَر، هَذَا هِيَ العادة.
فَإِنْ قِيلَ: هل يُمْكِنُ أنْ يُقالَ: إن هَؤُلَاءِ الَّذينَ حَصَلَ منهم هَذِهِ الأشياءُ أَنَّهُم ذُرِّيَّتُهُمْ؟
فالجَواب: الظَّاهر أَنَّهُم عَلَى حَسَبِ الأجيالِ المعروفةِ يَتَوَالَدُون، والَّذين صاروا فِي التِّيهِ وحُرِّمَتْ عليهم الأرضُ المقدَّسة أربعينَ سنةً فلأجلِ أنْ تَتَغَيَّر أوضاعهم وأحوالهم بإنشاءِ خلقٍ آخرَ.
المهم نَجْزِم أن إيمانَهم فِي ذلك اليومِ كَانَ إيمانًا جيِّدًّا قويًّا حينما أغرقَ فِرْعَوْنَ، ولهذا نُصِروا هَذَا النصرَ العظيمَ عَلَى فِرْعَوْنَ؛ لِأَنَّ سياقَ الآيَاتِ يدلُّ عَلَى هذا.
فَإِنْ قِيلَ: إن إيمانهم ضعيفٌ بقرينةِ ما حصلَ؟
قلنا: ما حصلَ بعدُ، والْإِنْسَان يَتَغَيَّر.