يَصِحُّ بدون ذِكْرِه، وهذا لَيْسَ بمقصودِهِ فيما يبدو، وإنَّما المقصود هُوَ تأكيدُ هذا، والإفتخارُ به، مثلما يقول لك القائل: "أنت تفعل كذا؟ "، فتقول: "نعم أفعله"، لو قلت: "نعم" لَكَفَى، لكن: "أَفْعَلُه" من بابِ تأكيدِهِ والإفتخارِ به، فهم كذلك يقولون: ﴿نَعْبُدُ أَصْنَامًا﴾ مؤكِّدين لعبادتها مفتخرينَ بها.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [﴿فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾ نقيم نهارًا عَلَى عِبادتها، زادوه فِي الجَوابِ افتخارًا به]، صحيح، قالوا: ﴿فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾ وَهُوَ ما سَأَلَهُمْ: هل أَنْتُم تَدُومُونَ عَلَى عِبَادَتِها أم لا؟ لكنهم زادوا عَلَى هَذَا وقالوا: ﴿فَنَظَلُّ﴾ يعني: نَسْتَمِرّ ﴿لَهَا عَاكِفِينَ﴾.
وقوله: ﴿لَهَا﴾ مُتَعَلِّق بـ ﴿عَاكِفِينَ﴾ وتقديمُه عليه يفيد الحصرَ، يعني: إننا نَعْكُفُ لها لا لغيرها. ويقول المُفسِّر: [زادوه فِي الجَوابِ افتخارًا به]، وَهُوَ كذلك، ثم إصرارًا وعنادًا، يعني: لسنا نعبدها وقتًا دونَ وقتٍ، بل نعبدها ونستمرُّ عَلَى عِبادتها.
وقول المُفسِّر: [نهارًا]، أخذها من قولهم: إنَّ (ظلَّ) فعلٌ يدلُّ عَلَى وقوع الشيْء نهارًا، وهذا هُوَ المعروفُ عندَ النَّحْوِيِّينَ، والذي يَظْهَر أَنَّهَا تدلُّ عَلَى وقوعِ الفعلِ باستمرارٍ، نحو قولِهِ تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [النحل: ٥٨]، أيّ وقتَ يُبَشَّر بِها يَسْتَمِرُّ وجهُه مُسْوَدًّا ليلًا ونهارًا، فالصوابُ أن هَذَا الفعلَ يُشعِر بالإستمرارِ، ولا يَخْتَصّ بالنَّهارِ كما قاله المُفسِّر وغيرُه.
* * *


الصفحة التالية
Icon