أَجسامِهِم، ثم يَجِدونه، وخروجُ الرُّوحِ منَ الجَسَدِ لَيْسَ بِبَعيدٍ، فقد يكونُ قَريبًا جِدًّا، وكما قال أبو بكرٍ (١):

كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
وقد يكونُ غير قَريب جدًّا، ولكنَّه مؤخَّر لِأَجَلٍ مَعدودٍ، فإذا كَانَ اللهُ تعالى يقولُ فِي يوم القيامةِ: ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ﴾ [هود: ١٠٤]، فكيفَ إذن بِأَجَلِ الْإِنْسَانِ نفسِهِ فيكون من باب أَولى!
قال: ﴿قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللَّهِ﴾ (تَاللهِ) هَذَا قَسَمٌ بحرفِ التاءِ. وحروفُ القَسَمِ ثلاثةٌ: الباءُ والواوُ والتاءُ، والأَصْلُ الباءُ، فهذه الحروفُ لَيْسَتْ كُلُّها أُصُولًا، فكلُّها يُقْسَمُ بها، لكن بعضها أَصْلٌ وبعضها غيرُ أصلٍ، مثل أنْ يُقال: كَانَ وأَخَوَاتُها مثلًا.
والدَّليلُ عَلَى أنَّ الباءَ الأَصْلُ أنَّ الباءَ تأتي معَ القَسَمِ وبدونِهِ، وتكون فِي الضَّمير والظَّاهر: (أُقْسِمُ باللهِ) و (أُقْسِمُ به) و (أُقْسِمُ بكَ يا ربِّ).
فلهذا نقولُ: هِيَ الأَصْلُ، حَتَّى ما تأتي إلا مَعَ الظَّاهرِ وبدونِ فِعْلِ القَسَمِ، وأيضًا ليستْ معَ كلِّ ظاهرٍ، وإنَّما تكونُ باللهِ فقطْ، وقد يُقْسَمُ بالرَّحْمنِ، فيُقال: (تَالرَّحْمنِ) وقد يُقْسَمُ بربِّ الكَعْبَةِ، لكن عَلَى قِلَّةٍ، والواوُ تدخُلُ عَلَى كلِّ ظاهِرٍ، فيُقْسَم بِهَا بكلِّ اسمٍ ظاهرٍ، سواء الله أو الرَّحْمن أو العَزِيز، وما أشبهَ ذلكَ، ولكنْ لا يُقْسَمُ بِهَا فِي المُضْمَرِ، ولا يأتي مَعَها غير القَسَم، وبهذا يَتَبَيَّنُ أنَّ الأُمَّ من هَذِهِ الثلاثةِ: الباءُ، ثُمَّ الواوُ، ثُمَّ التاءُ.
(١) أخرجه البخاري: كتاب فضائل المدينة، باب كراهية النبي - ﷺ - أن تعرى المدينة، رقم (١٨٨٩).


الصفحة التالية
Icon