فوائدُ الآيَاتِ الكريمةِ:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: فيها دَليلٌ عَلَى نَدَمِ أهل النارِ نَدَمًا عَظيمًا، حين قالوا وهم يَختصِمون - يُخاصِم بعضُهم بعضًا -: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ﴾، وهنا أَقسموا وأكَّدوا: ﴿تَاللَّهِ﴾ قسَم، ﴿إِنْ كُنَّا﴾ إنْ مُخَفَّفة منَ الثقيلة، وتفيد التَّوكيدَ، واللام، و ﴿لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ كذلك، وإن كَانَ بعض النَّحْويين يُسمِّي اللامَ هنا الفارِقَةَ، ولكنها معَ كَونها فارقةً هِيَ أيضًا مؤكِّدة، ومَعْنى فارقةٍ أَنَّهَا تُفَرِّق بين (إنِ) النافيةِ و (إنِ) المخفَّفة؛ لِأَنَّ الصورةَ واحدةٌ، ولا يَتَبَيَّن أنَّ المُرادَ هَذِهِ أو هَذِهِ إلَّا بوُجودِ اللامِ؛ فإن عُدِمَتِ اللامُ امتنعَ الكَلامُ إلَّا إذا دلَّتِ القرينةُ عَلَى خلافِ ذلك.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: وفي قولهم: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ﴾ اعترافٌ ضِمْنِيٌّ بأنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا شَبيهَ له؛ لأنَّهم أَنكروا وبَيَّنوا أَنَّهُم فِي ضلالٍ مُبينٍ حينَ سَوَّوْا هَذِهِ الأصنامَ بالربِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الَّذِي لا يُماثِلُه أحدٌ فِي هَذَا الوصفِ؛ ربِّ العالمينَ، هَذِهِ الأصنام الَّذين يَعْبُدونها يَعْتَقِدون أنَّ رُبُوبِيَّتَها، أو أُلُوهِيَّتَها بالأصحّ، أَنَّهَا محصورةٌ فِي عَابديها، أمَّا ربُّ العالمينَ فهو ربٌّ لكلِّ أحدٍ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: فِي قولِهِ: ﴿إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ إشارة إِلَى بيانِ الضَّلالِ؛ إذ لا يمكِن التسويةُ بينَ مَن هَذَا وصفه - ربّ العالمين- بِمَن لم يَسْتَحِقّ من هَذَا الوصفِ شيئًا، وهذه الأصنام لا تَسْتَحِق وَصْفًا منَ الربوبيَّة إِطلاقًا، فضلًا عن الربوبيَّة العامَّة لجميعِ العالمَينَ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: فِي ذلكَ أيضًا اعترافُهم البالِغ بضلالهِم: ﴿إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ يعني: بيِّن ظاهِر، حيثُ نُسَوِّيكُم، ولكن هَذَا الإغترار وهذا الإقرارُ بالربِّ،