الظَّاهر (ليت) هِيَ الأُولى، يعني: كأنه يكونُ بالأوَّل بِعَزْمٍ عَلَى التمنِّي، ثم إذا لم يَحْصُلْ لهم رَجَعُوا إِلَى الخُضُوعِ والخُنُوعِ والعَرْض.
ولو أَنَّهُم رُدُّوا هل يَرجعون؟
يقول الله تعالى فِي سُورَة الأنعام: ﴿بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨]، هَذَا الخبرُ الصادقُ، يعني: لَيْسَ قولهم: إننا إذا رجعنا نكون من المؤمنين، فهذا خبرٌ كاذبٌ، والخبرُ الصادقُ: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ فِي قولهم: ﴿نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنعام: ٢٧].
فَإِنْ قِيلَ: فِي نَفْسِ المَقامِ يَسْتَشْعِرُونَ أَنَّهُم كاذبونَ أم فِي عِلم اللهِ أَنَّهُم لو رُدُّوا لعادوا لما نُهوا عنه؟
فالجَواب: الظَّاهرُ أَنَّهُ فِي عِلم اللهِ، فيمكِن أَنَّهُم حِينما يقولونه فِي تلك الساعة يقولونه صِدقًا، ولكن الله أخبر بأنَّهم إذا رَجَعوا فسيعودون إِلَى الكفرِ.
قال: ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أى: من المصدِّقين المُقِرِّينَ المُلْتَزِمِينَ بالعملِ؛ لِأَنَّ الإيمانَ وَحْدَهُ لا يَنفَعُ، فإذا لم يَسْتَلْزِمِ العملَ فليسَ بإيمانٍ، ولهذا نقول: إن الكفّار الَّذين أتتهم آيات الله كان بها مؤمنين ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾ [النمل: ١٤]، ولكن لكونهم لا يَنقادون لم يَنْتَفِعوا بإيمانهم، فإبليسُ بمَعْنى التصديقِ مؤمنٌ، لكنه مستكبِر، فلم يَنْفَعْهُ إيمانه.
وأذكر أَنَّهُ حينما صَعِدَ أوَّلُ رَجُلٍ إِلَى الفضاءِ مِنَ الرُّوس وشاهَدَ الكونَ أعلنَ أن هَذَا الكونَ له مدبِّر، فجاء أصحابُه الروس وقالوا: ما تقول؟ !