مثلما قالُوا - على زعمهم-: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرَّحْمن: ١٩ - ٢٢]، وزَعَمُوا أنَّ اللُّؤْلُؤَ والمَرجان لا يخرجانِ إلَّا مِنَ المالِحِ.
وعلى كلِّ حالٍ فإن عَوْد الضَّميرِ على واحدٍ من المجموعِ إذا خُوطِبَ الجميعُ شائعٌ في اللُّغة.
وبعضهم يقول: إن المُرادَ بالرُّسُلِ هنا النُّذُر، فقلنا: رُسُل؛ لمُشَابَهَتِهِم له، والنُّذُر لا شكَّ أنَّهم يأتونَ إلى الجنِّ كما يأتونَ إلى الإنسِ.
والراجحُ أنه ليسَ منهم رَسُولٌ؛ لقولِ اللهِ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا﴾ [يوسف: ١٠٩]، والجنُّ ليسوا من (رِجَالًا).
والنَّبيُّ غيرُ الرَّسُولِ، فالنَّبيُّ مَن أُوحِيَ إليه؛ لأنَّ الوحيَ الَّذي يُشَبَّه بوحيِ محُمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هو مِن نوحٍ فأقلَّ فما دُونَه، فالوحيُ المشبَّه بوحيِ اللهِ إلى رسولِه محُمَّد - ﷺ - هو ما كَانَ إلى نوحٍ ومَن بَعْدَه؛ لأنه وحيٌ مَقرونٌ بالإرسالِ.
ونقول: إنَّ اللهَ تَعالَى بَشَّرَ النَّصارَى على لسانِ عِيسَى نَبِيِّكم بمُحمَّدٍ، فالذي لا يَعتقِد إلَّا أنه مُخْبِر بأنه سوفَ يُبْعَثُ رَسولًا؛ فإن هذا من ضلالِ قومِه الَّذينَ أَضَلُّوه، وإلَّا ما عندنا شك أن عيسى بشَّر قومه بمُحمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حتى يَتَّبِعُوه، وإلَّا ما الفائدةُ من البشارةِ؟ !
ومَن كذّب أيَّ رَسُولٍ فهو منكِرٌ لله، أو واصفٌ اللهَ بما لا يَسْتَحِق؛ لأنَّ اللهَ تَعالَى يؤيِّد الرَّسُولَ بالآيَاتِ، فإذا كَان كاذبًا لزِمَ أنْ يكونَ اللهُ تَعالَى غيرَ موْجودٍ، أو أنه تَعالَى - والعياذ بالله - خائن أو ما أشبهَ ذلك.