وقَوْلهُ: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أي: مالِكِهِم المدبِّرِ لهم بما يشاءُ، وأصلُ المالِكِ: المتصرِّفُ في الشيْءِ، ومنه سُمِّيَ ربُّ البيتِ، وربُّ البهيمة، وربُّ كذا، ويُطلَق بمَعْنى (صاحب) كقولِهِ تعالى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات: ١٨٠]، ورَبّ الْعِزَّةِ يَعْنِي: صاحب العِزَّة، ولا يُمْكِن أنْ تكونَ الربُّ هنا مثلَ الربِّ في قولِ: ربّكم، لأنَّ العزَّة من صفاتِ اللهِ، ولا تكونُ مخلوقةً.
فهنا: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أي: خالقهم ومالكهم ومدبِّر أَمْرِهِمْ بما شاءَ، و (الْعَالمينَ) معناها: كلُّ ما سِوَى الله.
وقَوْلهُ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ كُرِّر تأسيسًا؛ لأنه بناهُ على قَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يَعْنِي: فإذا انتفى ذلك فأنتم اتَّقُوا اللهَ وأطيعوني، فيكون هذا تأسيسًا، ولا يُستفاد المَعْنى المقصود منه لو حُذِفَ.
والفرقُ بينَ التَّأْكيدِ والتأسيسِ: أن التَّأكيدَ لو حُذِفَ لاستُفِيدَ المَعْنى منه ممَّا بَقِيَ دونَ التَّأكيدِ، أي أن المؤكِّد لا يُستفاد منه سِوَى التَّأكيدِ، فلا يَحْمِلُ معنًى جديدًا، أمَّا التأسيسُ فيحملُ معنًى جديدًا، وهو: وعلى أنني لا أريدُ الأجرَ، وإنَّما ألتمسُ الثَّوابَ منَ اللهِ، فيَجب عليكم أنْ تتَّقُوا اللهَ وتُطِيعُوني.
ويُستفاد من قوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ أنَّ التَّقوَى لا تُضافُ إلى المخلوقِ، بِخِلاف الطَّاعةِ، فلا بأس أن أقولَ: أنا أطعتُ فلانًا، لكن لا يجوزُ أنْ تقولَ: اتقِ فلانًا، بمَعْنى التَّقْوى المُسْتَلْزِمَة للتَّذَلُّل.
* * *