كَانوا مشارِكينَ له في العقيدةِ والعملِ، وهذا ممَّا يدلُّ على أنَّ المعيَّة ليستْ كما فَهِمَه المحرِّفون في معيَّة اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأنها تَقتضي المشاركةَ في المكَانِ، أو الإختلاط، فهذا ليسَ بلازمٍ.
وقَوْلهُ: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ لِبيانِ المُبْهَمِ فيمَن معي؛ لأن (مَن) اسمٌ موصولٌ، والإسمُ الموصولُ يَحتاجُ إلى بيانٍ، وبيانُه إمَّا من صِلَته وإمَّا من غيرها.
ويُستفادُ منه أنه عندَ اليأسِ يجوزُ أنْ يدعوَ الإِنْسانُ على المكذِّبين والمعانِدِينَ.
وهل أقرَّ شَرْعُنا هذا أم خالَفَه؟
الجَواب: إنَّ شرعنَا أقرَّه، لكنَّه فضّلَ عدمَ الدُّعاءِ، إلَّا إذا كَان ثَبَتَ أنَّهم لا يَستقيمون، ولا يُؤمِنون، فيُشْرَع الدُّعاء، والدَّليلُ على ذلك أنَّ الله رأى النَّبيّ - ﷺ - عِندَما نادى عليه جِبريلُ وقال له مَلَكُ الجبالِ: إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ. فقال: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ، لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" (١). لكنه لم يمنعْ أحدًا.
ودليلٌ أصرحُ منه أن النَّبيَّ - ﷺ - لمَّا دعا عليهم في الصلاة قال: "اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ... اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا" لأحياءٍ منَ العَرَب؛ نزل عليه قولُه تعالى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٢٨] (٢) فكفَّ عن هذا، فشَرْعُنا أمرَ بالصبرِ، وعدمِ الدُّعاءِ عليهم.

(١) أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم: آمين والملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه، رقم (٣٢٣١)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي - ﷺ - من أذى المشركين والمنافقين، رقم (١٧٩٥).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ﴾، =


الصفحة التالية
Icon