فذكر النتيجةَ الأخيرةَ، وهو أنه: ﴿عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ إلى آخره، ولها توجيهانِ:
التوجيهُ الأوَّل: أنه، أي: سؤالك ﴿عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾؛ لأنك سألتَ ما لا يجوزُ في عِلْمِ اللهِ.
التوجيه الثَّاني: أنه، أي: الولد ﴿عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ من بابِ المُبالغةِ، يَعْنِي: عاملٌ غيرُ صالحٍ، فأطلق عليه المصدر كما يُقال: فلانٌ عدْل، وفلانٌ رِضًا، بمَعْنى ذي عدلٍ ورِضًا، فالمَعْنى أنه ذو عَمَلٍ غَيْرِ صَالِحٍ، ويؤيِّد هذا الإحتمالَ قِراءَةُ: ﴿إنَّه عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ (١).
فإنْ قيلَ: هؤُلاءِ الَّذينَ نَجَوْا هل هُمُ الَّذينَ بَقُوا منْ أهلِ الأَرْضِ؟
قلنا: لا، ليسوا هم، بل ذُرِّيَّة نوح هم الَّذينَ بَقُوا، وأمَّا مَن كَانَ معَه منَ المُؤمِنينَ فإِنَّهم فَنُوا، وما بَقِيَ لهم نسلٌ، كما في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ [الصافات: ٧٧].
ولهذا يُقال: إنَّ نُوحًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هو الأبُ الثَّاني للإِنْسانِ؛ فالأبُ الأوَّلُ آدمُ، ونوحٌ هو الأبُ الثَّاني؛ لأن جميعَ بني الإِنْسانِ ماتُوا، وما بَقِيَت إلَّا ذُرِّيَّتُه: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾، و ﴿هُمُ﴾ ضميرُ فصلٍ يفيد الحصرَ والإختصارَ، فهم الَّذينَ بَقُوا.
ويقول المؤرِّخون: إنهم ثلاثة: سامٌ، وحامٌ، ويَافِثُ، واللهُ أعلمُ إنْ كانتْ هذه أسماءَهم أم لا؟ وهل هم ثلاثة أم أكثرُ أو أقلُّ؟ إنَّما هذا كَلام المؤرِّخِينَ.