فالجَوابُ: لا، لكن هذه الدَّعْوَى مؤيَّدة من آيات من الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لقولِ النَّبيّ - ﷺ -: "مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدِ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ" (١)، فهي ليست مجرَّد دَعوى؛ لأنها لو كانتْ مجرَّد دعوى لكانَ سهلًا رفضُها، لكنها دَعوى مؤيَّدة ومدعَّمة منَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بآياتٍ بيِّنة، يُؤمِن على مِثلها البشرُ.
وفي قوله لهم هذا القولَ، جازِمًا به، دليلٌ على قوَّة آياتِه، وأنَّ معه منَ الآيَاتِ ما جَعَلَه يعبِّر هذا التعبيرَ الجازِمَ: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾، وفي هذا دليلٌ على أنّ الرِّسالَةَ أكبرُ دليلًا على أمانةِ الشخصِ؛ لأنه لولا أنه أمينٌ ما ائتمنه اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على الوحيِ، الَّذي فيه الحُكْمُ على النَّاسِ بالسعادةِ والشقاءِ، بل الحكم عليهم باستباحةِ أموالِهم، واستباحة نِسائِهم، واستباحة دِمائهم.
فلولا أنَّ الرُّسُل - عليهم الصلاةُ والسلامُ- هم أعظمُ النَّاسِ أمانةً ما ائتمنهمُ اللهُ على هذا الوحيِ العظيمِ.
قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ هذا عَودٌ في المَعْنى على قَوْلِهِ: ﴿أَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الشعراء: ١٢٤]، يَعْنِي: فلأني رَسُولٌ أمينٌ افْعَلُوا ما آمركم به منَ التَّقْوَى، وأَحُثُّكُم عليه.
وإنَّما قال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾، وما قال: (واتقوني)؛ لأنه لا يَمْلِك لنفسِهِ نفعًا ولا ضَرًّا، لا هو ولا غيرُه، فوظيفة النَّاس بالنِّسبةِ للرسلِ ليستْ تَقْوَى الرُّسُل، بل طاعة الرُّسُل، ولهذا ما جاء على لسانِ أيّ واحدٍ منَ الرُّسُلِ أنه قال لقومِه: (اتقوني)، بل يأمرونهم بالطَّاعةِ، وأما التَّقْوى والخشية والخوفُ فهي لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.