قَوْلهُ: ﴿بِأَنْعَامٍ﴾ الأنعامُ: جمعُ نَعَم، يَعْنِي الإبل، وإذا قلتَ: إنَّ نِعْمَة جَمْعُها نِعَم، وجَمْع نِعم: أَنْعَام، صار المُراد بالأنعامِ ما هو أعمُّ منَ الإبلِ، يَعْنِي: كَأنَّه يقول: بنِعَمٍ كَثِيرَة، والمعروف أنها للإبلِ فقطْ، لكن إذا قيلَ: بَهِيمة الأنعامِ، فتَشْمَل الثلاثة، وفي الحديث: "خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ" (١).
وقَوْلهُ: ﴿وَبَنِينَ﴾ الذكور منَ الأولاد، وخصّ البَنين؛ لأنَّهم أبلغُ في شَرَف الإِنْسانِ، ولأنَّ أولادَهم يُكَوِّنون قَبيلةً، لكن أولاد البنات من غيرِهم، فلا يكونونَ قبيلةً ولا يكونونَ أسرةً.
وقَوْلهُ: [﴿وَجَنَّاتٍ﴾ بَسَاتِينَ ﴿وَعُيُونٍ﴾ أنهارٍ]، وهذا ممّا يَدُلُّ على أنّ هذا الرَّبْع الخالِي الآنَ منَ الماءِ أنه كَان فيه بساتينُ، وكَانَ فيه أنهارٌ، ولعلَّ هذا يُوحِي به أيضًا قولُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا" (٢)، فإنَّ قَوْلَهُ: "حَتَّى تَعُودَ" العَوْد بعدَ البَدْء، فهذه الجنَّات ليستْ مجرَّد بساتينَ فقطْ؛ لأنه لا يُسَمَّى البستانُ جنَّةً إلا إذا كَان كَثِيرَ الأشجارِ والزُّرُوع، حيث يُجِنّ مَن فيه ويَسْتُرُه، والعيونُ جَمْعُ عَيْنٍ.
وقول المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: إنَّها أنهارٌ فباعتبارِ جَرَيَانِها، وإلَّا فالعُيُون هي الَّتي تَنْبُع من الأَرْض، والأنهار كما هو معروفٌ لا تَنْبُع منَ الأَرْض، وإنَّما تأتي منَ الأمطارِ والسيول وغيرها.

(١) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب دعاء النبي - ﷺ - الناس إلى الإسلام والنبوة، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، رقم (٢٩٤٢).
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها، رقم (١٥٧).


الصفحة التالية
Icon