- والعياذُ باللهِ - أَتبَعوا أنفسَهم هواها، وتَمَنَّوا على اللهِ الأمانيّ إن كَانوا مصدِّقين بالبعثِ، ولا ندري ربما يكونونَ مكذِّبين به، وأنه لا بعثَ ولا جزاءَ ولا عذابَ.
فوائدُ الآيَاتِ الكريمةِ:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: بيانُ أنَّه يَنْبَغي للداعيَةِ معَ القَرْن بذِكْر النِّعَم أن يَقْرِنَ الدعوةَ بالتخويفِ، وتُؤخَذ من قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّه يَنْبَغي إذا كَان المَقامُ أنسبَ أن يكون غير مُصَرَّح بذلك؛ لِقَوْلِهِ: ﴿إِنِّي أَخَافُ﴾ ولم يقل: إنكم ستُصابون بيومٍ عظيمٍ، فالمتوقَّع له غير الجازِم به؛ لأن المَقامَ يَقتضي ذلكَ، ولكلِّ مَقامٍ مَقالٌ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: وفي الآيَات دليلٌ على أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد يَطْبَع على قلبِ العبدِ فلا يَستفيد بموعظةٍ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ﴾، هذا إذا لم يكنْ هذا القولُ منه كَذِبًا.
فإن كَان كذبًا فلا شاهدَ فيه لذلكَ، يَعْنِي: إنْ كَان الأمر حقًّا كما يقولونَ أنَّهم سَواء وُعِظوا أم لم يُوعَظوا؛ فإِنَّه يدل على أن العبدَ - والعياذُ باللهِ - إذا رانَ على قَلْبِهِ ما يَعْمَل، لم يَسْتَفِدْ من موعظةٍ، أمّا إن كَان كذبًا فإِنَّه يدلُّ على عُتُوّ هؤُلاءِ القومِ، وشِدَّة استكبارهم عن الحقِّ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: وفي التعبيرِ بقَوْلِهِ: ﴿أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ﴾ دليلٌ على بلاغةِ القُرآنِ، حيث الجمع في جملةٍ واحدةٍ بين أربعةِ معانٍ: وَعَظْتَ أم لم تَعِظ.. كنتَ منَ الواعظينَ أم لم تكنْ. وذلك في كلمتينِ؛ لأنه حَذَف من كل كلمةٍ ما يقابلها في دلالة أُخْرَى عليها.