حالًا من الضَّميرِ المُسْتَتِر فِي الخبر، نقول: هَذَا بعيد، لِأَنَّهُ لا مَعْنى لـ ﴿فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا﴾، فإذا قال إِنْسان: ربما يكون التَّقديرُ: ناظرةً لها؛ أي: ظلتْ أعناقهم ناظرةً لها، فرَدُّ هَذَا بأنْ يُقالَ: إن المتعلّق إذا كَانَ خاصًّا فَإِنَّهُ لا يُحذَف، وإنَّما يُحذَف إذا كَانَ عامًّا، يعني: تقديره كائن أو مستقِرّ، هَذَا الَّذِي يُحذَف، أمّا إذا كَانَ خاصًّا كراكبٍ وجالسٍ، وما أشبهَ ذلك؛ فَإِنَّهُ لا يُحذَف.
فَوَائِدُ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: إِثْباتُ المشيئةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لقوله: ﴿إِنْ نَشَأْ﴾.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إِثْباتُ القُدْرَة؛ لِقوله: ﴿نُنَزِّلْ﴾.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: التهديد لهَؤُلَاءِ المكذَّبين؛ لقوله: ﴿فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: فيها دليلٌ عَلَى أن الأسْبابَ مؤثِّرة؛ لأَنَّهُ إذا نزلتِ الآيةُ خَضَعوا، وهذا دليلٌ عَلَى ثُبُوت الأسْباب، وأنها مؤثِّرةٌ.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: فيها دَليل عَلَى إِثْبات الحكمةِ؛ لِأَنَّ الله لم ينزلْ هَذِهِ الآيةَ؛ لِأَنَّهُ لو أَنزَلَها لكانَ الإيمان اضطراريًّا، والإيمانُ الإضطراريُّ لا مَدْحَ فيه ولا ثناء، بل لا يَنفَع صاحبَه، فلهذا إذا آمنَ الْإِنْسَان عند ملاقاةِ الموتِ ما نَفَعَهُ، وبعد طلوعِ الشَّمْسِ من مَغْرِبها ما نَفَعَه، نعم، لا ينفع إلا إذا كَانَ الإيمانُ اختياريًّا، ولمّا نَتَقَ اللهُ الجبلَ فوق بني إِسْرَائِيل آمنوا، ولكن هَذَا الإيمان لا شك أَنَّهُ ضعيفٌ؛ لِأَنَّهُ إيمان اضطراريٌّ، فمِن حِكمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ لم يُنَزِّل هَذِهِ الآية ليكونَ الإيمانُ عنِ اختيارٍ، لا عن اضطرارٍ.


الصفحة التالية
Icon