ثم قال: ﴿الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ وهذه الصِّفَةُ كاشفةٌ وليستْ قَيْدًا؛ لأن كلَّ مُسْرِفٍ في الأَرْض، فالصِّفَةُ كاشفةٌ، وقَوْلهُ: ﴿يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ أي: يكونون سببًا في فسادِها، أو أنَّ المعاصيَ نفسَها فسادٌ.
يَعْنِي: إما أنْ تكونَ هي الفسادَ فيفسدون، من بابِ إضافةِ الشيْءِ إلى سببِهِ، وإمّا أن تكونَ المعاصي سببًا للفسادِ، أو أنها هي نفسها فسادٌ.
قَوْلهُ: ﴿وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ في طاعةِ اللهِ، ولا بغيرِها أيضًا.
وفي قَوْلهِ: ﴿يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ دليلٌ على فسادِهِم، وأنه ليس فيها صلاحٌ، فالنفيُ هنا يُقْصَدُ به النفيُ للإصلاحِ معَ إِثْباتِ كمالِ ضِدِّه، وهو الفسادُ: ﴿يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾.
وقول المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [بطاعة اللهِ]، الطَّاعة نفسها إصلاحٌ بلا شَكّ، وهي أيضًا سببٌ للإصلاحِ؛ فإنَّ طاعةَ اللهِ تَعالَى سببٌ لِصَلاح كلِّ شيْءٍ: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٧].
* * *