ولمَا استحقُّوا العذابَ، لكن نَدِموا على مَصْلَحَتِهِم فقد كانوا يَشربون مِن لَبَنِها، ثم فاتَهم هذا.
وقد بَقُوا بعد ذلك ثلاثةَ أيامٍ، والحكمةُ من هذه الأيَّام الثلاثةِ - واللهُ أعلمُ - لعلَّهم يَتُوبُونَ، ولكنَّهم لم يَتُوبوا، وقد أُخِذ منْ هذا استتابة المرتَدّ ثلاثةَ أيَّام، فإنْ تابَ وإلا أُجري عليه الحدُّ، على خِلافٍ بينَ أهلِ العِلْم في هذه المسألةِ.
والمهمُّ أن هؤُلاءِ لم يَنْدَمُوا على فِعل المعصيَةِ، ولو ندِموا لكَانَ توبة، ولكنهم ندِموا على ما فاتهم من حَظِّ الدنيا فقطْ.
قالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [﴿فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ﴾ الموعودُ به، فهَلَكُوا]، إلَّا أنَّ اللهَ تَعالَى أنجَى صالحًا ومَن معَه.
وقولُه تعالى: ﴿فَعَقَرُوهَا﴾ معلومٌ أنّهم لم يكونوا كلّهم عَقَروها، ولكن لَمَّا كَان برِضا الجميعِ، ومِن زُعَمائِهِم، فنُسِب إليهم جَميعًا، ففِعل الطائفةِ منَ الأُمَّة يُعتبَر فعلًا للجميعِ إذا لم يُنكِروه، فإذا سَكَتُوا ولم يُنْكِروه فهو فِعْل الجَميع، ولهذا يذكِّر اللهُ تَعالَى الْيَهُودَ في عهد الرَّسُولِ - ﷺ - بما فعلَ أسلافُهم، ويُخاطِبُهم به مُخَاطَبَةَ الفاعلِ؛ لأنها أُمَّة واحدة، فإذا لم تُنْكِر ما كَان عليه أسلافُها، نُسب للجميعِ.
وما هو العذابُ الَّذي أَخَذَهُم؟
الجَواب: صَيْحَة ورَجْفَة، يَعْنِي: رَجَفَ اللهُ بهم الأَرْضَ وصاحَ بهم جِبريلُ، فماتوا، ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ [هود: ٦٧]، - والعياذُ باللهِ - صَرَعى كنفسٍ واحدةٍ.
وفي هذا دليلٌ على كمالِ قُدرة اللهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وأنّ الله تَعالَى قادرٌ على كلِّ شيْءٍ، ولا يُعْجِزُه، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي


الصفحة التالية
Icon