وقَوْلهُ: ﴿إِلَّا عَجُوزًا﴾ - والعياذُ باللهِ- هذه المرأة عَجُوز كبيرة في السِّنِّ، وكَان
الَّذي يَنْبَغي لكبيرِ السنِّ أن يكونَ مُنِيبًا إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لأنَّه قَريبٌ مِنَ الموتِ،
وأقرب إلى الموت من الشاب، ولكن هي صارتْ خبيثةً- والعياذُ باللهِ- كافرةً
باللهِ، لكنَّها كاتمةٌ لذلكَ، ولهذا قال اللهُ تَعالَى في سُورة التَّحريم: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾
[التحريم: ١٠] ليستْ خيانةَ شَهوةٍ وزِنًا، لكن خِيانة كُفْر، ولهذا قال: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ﴾ [التحريم: ١٠]، ثم قال: ﴿فَخَانَتَاهُمَا﴾،
لم تُشْعِرَاهُما بالكُفْر، فما عَلِمَا بِكُفْرِهِما.
وهي لَمَّا كَانتْ مُؤَيِّدَةً لِفعلِ القومِ كانَ هذا إقرارًا بالكفرِ، فهي كافرةٌ
ومؤيِّدة أيضًا زيادة.
قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [﴿إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ﴾ الباقينَ]، والغابِرُ: يُطْلَق على
مَعَانٍ، منها: الباقي، ومنها: الماضي أيضًا، فيكون مِنَ الأضدادِ؛ وهي الكَلِمات
التي تَصْلُحُ للشيْءِ ولِضِدِّه.
قَوْلهُ: ﴿ثُمَّ﴾ بعدَ أن أنجَيْنَا لُوطًا وأهلَه ﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ﴾؛ لأنَّه بعدَ أَنْ أُمِر أن
يسيرَ بأهله ليلًا، وأن يخرج من البلدة إلَّا امرأته، دمر الله هذه البلدة، يَعْنِي: فخرجَ
ثمَّ دُمِّرَتْ، وقَوْلهُ: ﴿الْآخَرِينَ﴾ المُرادُ به قومُه.
قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [أَهلكناهم، ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا﴾ حِجَارَةً، من جملةِ
الإهلاكِ]، والظَّاهرُ لي أن قَوْلَهُ: ﴿وَأَمْطَرْنَا﴾ عطْفُ تَفسيرٍ على قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا﴾؛
لأنَّ هذا هو الَّذي دُمّروا بِهِ، أنَّ اللهَ أمطرَ عليهم مَطَرًا، وهذا المطر هو ﴿حِجَارَةً
مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ﴾ [هود: ٨٢]، مُتَتابع، ﴿مُسَوَّمَةً﴾ [هود: ٨٣] عندَ اللهِ.