فـ ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ﴾ يَعْنِي: في كلّ فَرْد من أفرادِ معاملاتكم، ولهذا قال: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ﴾ أي: من المتَّصِفين بالإقساط، والإقساطُ بمَعْنى النَّقْص.
قولُه تعالى: ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ هذا الوزنُ، والفرقُ بين الوزنِ وبين الكيلِ: أنَّ ما قُدِّر بالحَجْم فهو كيْل، لأنَّ المكيالَ تَضَع فيه الشيْء فيكون حَجْمُه هكذا، وأمَّا ما يُقَدَّر بالثّقل فيُسمى وَزْنًا، وقَوْلُهُ: ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ يقول المُفسِّر: [المِيزان السَّوِيّ]، فَعَلى هذا القِسطاس بمَعْنى: المِيزان، والمستقيم بمَعْنى: السَّوِيّ.
قولُه تعالى: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ قال: [لا تَنْقُصُوهم من حَقِّهم شيئًا]، هذا عامٌّ حتَّى فيما يُزرَع، وفيما يُعَدُّ.
مثل هؤُلاءِ القوم ذَنْبُهم الخاصّ الَّذي بُعِث هذا الرَّسُولُ لإصلاحِه، مع عِبادَة اللهِ، هو بَخْسُ النَّاسِ في الكيلِ والميزان وغيرهما، ولهذا عَمَّمَ: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾ لا تَنْقُصُوهم حُقُوقَهم.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [بالقتلِ وغيرِه]، ولم نعرِفْ أن هؤُلاءِ القوم - أي: قوم شُعَيْب - كَانوا يَقْتُلون النَّاسَ، بل المعروف من ذَنْبهم أنَّهم كَانوا يَبْخَسُون النَّاسَ أشياءَهم، فيمكِن أن يكونَ المقصودُ هو الإفسادَ بالقتلِ أو غيره. إنَّما الإيعاد سواء بالحَبْس أو بالضربِ أو بغيرهما، فهو من الفسادِ، ومن الفسادِ أيضًا نقصُ النَّاسِ أشياءَهم.
وقَوْلهُ: ﴿مُفْسِدِينَ﴾ حالٌ مؤكِّدة؛ لأن العُثُوَّ هو الفسادُ، كما لو قلتَ: "لا تَقُمْ قائمًا"؛ فإنَّ قائمًا حالٌ مؤكِّدَةٌ لقَوْلكَ: "لا تَقُمْ".