الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ حينَ إنزالِه.
وقيل: ﴿مُحْدَثٍ﴾ إنزالُه، ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ﴾ إنزالُه، فلا تكون الصِّفَة هنا حقيقيةً، وإنَّما هِيَ صفةٌ سببيَّة؛ لِأَنَّ الموصوفَ فيها حقيقةً لَيْسَ الذِّكر، بل هُوَ الإنزالُ، هَذَا إذا قلنا: ﴿مُحْدَثٍ﴾ إنزالُه، كما إذا قلتَ: مَرَرْتُ برجلٍ قائمٌ أبوه، فـ (قائم) هَذِهِ الصِّفَة من حيثُ الإعرابُ لـ (رجل)، لكن من حيثُ المَعْنى صفةٌ لـ (أبوه)، وهذا الوصف عَلَى هَذَا الوجه يُسمّى بالنَّعْت السَّبَبِيّ.
فعلى هَذَا عَلَى القول بأن المُراد: ﴿مُحْدَثٍ﴾ إنزالُه يكون النَّعْت هنا سَبَبيًّا لا حقيقيًّا، ولكن إذا دار الأمرُ بين أن يكون النَّعْتُ صفةً حقيقيَّة أو صفة سببيَّة؛ فالواجب أن يكون صفة حقيقيةً؛ لِأَنَّ الصِّفَة السَّبَبيَّة تحتاج إِلَى تقديرٍ، وكلُّ ما يحتاج إِلَى تقديرٍ يَحتاج إِلَى دليلٍ، فهنا نقول: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ﴾ ظاهر اللفظ أن القُرآنَ نفسَه مُحْدَث، ثم إن ﴿مُحْدَثٍ﴾ إنزالُه لا مَعْنى لها فِي الواقعِ بعد قوله: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ﴾؛ لِأَنَّهُ لا يمكن أن يَأْتِيَهُمْ إلا وإنزالُه مُحْدَث؛ لِأَنَّ (أتَى) معناه (حدث). فعلى هَذَا نقول: الصَّوابُ أنّ المُرادَ بالمُحْدَث نفسُ الذِّكر، وليس إنزاله.
قالَ تعالى: ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾، (عَنْهُ) جارٌّ ومجرورٌ متعلِّق بـ (مُعْرِضِينَ)، و (مُعْرِضِينَ) خبر (كان)، وفائدة تقديمه عليه هنا لفظيَّة ومعنويَّة؛ أمَّا اللفظيَّة فمراعاة الفواصلِ - فواصل الآيَات - وأمَّا المعنويَّة فلإِفادة الحَصر، كأنه يقول: ما تكون حالهم إلا الإِعْراض عنه دون غيرِه، يعني: عنه فقط وحدَهُ مُعْرِضِينَ، وهذا