و (تَنْزِيل) مصدر، لكنَّه بمَعْنى اسم المفعولِ، أي: لمُنَزَّل؛ لأن القُرآنَ نفسَه ليسَ تَنزيلًا، بل التنزيل فِعل الله، والقُرآنُ عِبارة عن شَيْء منزَّل، كما قال الله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ﴾ [الفرقان: ١].
وقَوْلهُ: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هذه الربوبيَّة العامَّة إشارة إلى أنه مِن مُقتضى ربوبيَّته أن يكون منزِّلًا لعبادِهِ هذا الكتابَ المفيدَ لهم.
ويشير أيضًا إلى عُمومِ شريعةِ هذا الكتابِ، كما عمّت ربوبيّة منزلِهِ، فهو أيضًا عامٌّ في التشريع.
قولُه تعالى: ﴿الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ هو جِبريلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وقد وُصِف بالرُّوح لأنه يَنزِل بما فيه الحياةُ، وهو الوحيُ الَّذي به حياةُ القلوبِ، ووُصِف بالأمانةِ لأن المَقامَ يَقتضيه، وأمانة جبريلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ من عِدَّة أوجهٍ بالنِّسبة للقرآنِ:
أولًا: أمينٌ بحيثُ لا يَنزِل به إلا على مَن أُمِرَ به، وعلى هذا فيكونُ قولُ الرافضةِ - قبَّحهم الله -: إن جِبريلَ أُمر أنْ يَنزل بالقُرآنِ على عليٍّ، ولكنه خانَ فنزَل به على مُحمَّدٍ - ﷺ - منافيًا لوصفِ جبريلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بالأمانةِ.
ثانيًا: مُقتضَى الأمانةِ أنْ يَنزلَ به كما سمِعه منَ اللهِ؛ لا يزيدُ فيه ولا يَنْقُصُ، ولا يُقدِّم ولا يؤخِّر.
ثالثًا: أن ينزلَ به في الوقتِ الَّذي أُمرَ بإنزالِهِ فيه، فلا يتأخَّر إذا أوحي إليه به إلَّا بإذنِ اللهِ.
فهذه الأوصاف الثلاثةُ مِن مُقتضَى أمانةِ جِبريلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وقَوْلهُ: ﴿عَلَى قَلْبِكَ﴾ خصَّ القلبَ؛ لأنه مَحَلّ الوعيِ، وفيه دليلٌ على عِنايةِ اللهِ