وقَوْلهُ: ﴿آيَةً﴾ بالنصبِ خَبَر ﴿يَكُنْ﴾ مقدَّمًا، و ﴿أَنْ يَعْلَمَهُ﴾ اسمها مؤخَّر، يَعْنِي: ﴿أَنْ يَعْلَمَهُ﴾ أي: عِلْمُهُ، من ﴿عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، فبنو إسرائيلَ هم بنو يَعْقُوبَ بنِ إسحاقَ، الَّذينَ تفرَّعوا منه، وهذا من الآيَاتِ البيِّنة على أنه مذكورٌ في الكتبِ السابقةِ وأنَّ عُلماء بني إسرائيلَ يَعْلَمُونه؛ لأنه لو لم يكنْ مذكورًا في كُتُبهم، ما علِموه، وإنَّما يَعلَمونه لأنه مذكورٌ في كُتُبِهِم.
وفي هذه الآيةِ دليلٌ على أنَّ المَرْجِعَ في مثل هذه الأمورِ إلى العُلَماءِ أهلِ العِلْم.
وقول المُفسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [كعَبْدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ وأصحابِه ممَّن آمنوا؛ فإِنَّهم يُخْبِرون بذلك]، هذا ليس بلازِمٍ؛ لأن كونَهم يعلمونَ به فهم عالِمونَ سواء أَخبروا أو لم يُخْبِروا، ولذلك القُرآنُ ما قال: (أولم يَكُنْ لهم آيَةٌ أن يُخْبِر به) بل قال: ﴿أَنْ يَعْلَمَهُ﴾ ومجرَّد عِلْمِ هؤُلاءِ به هو آيةٌ وإنْ لم يُخْبِروا به.
ونقول: إنّ عبد الله بن سلَام - رضي الله عنه - ومَن آمَنَ، هم من علماء بني إسرائيلَ، فعَلِموا وأَخبروا، وغيرُهم منَ العُلَماء الَّذينَ لم يُؤمِنوا علِموا ولكنَّهم لم يُخبِروا.
وقول المُفسّر رَحِمَهُ اللهُ: [وبالفوقانيَّة ورَفْع (آيةٌ)] وعليه يكون: ﴿أَنْ يَعْلَمَهُ﴾ خبر (تكن)، و (كان) في القراءتينِ ناقصةٌ.
قَوْلهُ: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ﴾ هذا اللسانُ العربيّ، سواء بلسان العربِ أو بغيرِه: ﴿فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ﴾ ما آمنوا به، فالمَعْنى أنَّهم لم يُؤْمِنُوا سواء جاء به محُمَّدٌ - ﷺ - وهو من صَميم العربِ، ويَعرفونه، أو جاء من رجل أعجميٍّ؛ ذلك لأنَّهم معانِدون، والمعاند - والعياذ بالله - لو جِيءَ بكلِّ آيةٍ ما آمَنَ؛ لأنه فرقٌ بين الإِنْسانِ الَّذي يَتَحَرَّى الحقَّ، والإِنْسانِ الَّذي يُعانِد الحقَّ.