أَنَفَةٌ وكِبْرِيَاءُ وغَطْرَسَةٌ، فلذلك حُرِموا منَ الوصول إلى الصَّوابِ.
قَوْلهُ: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ أي: بالقُرآنِ، وإذا قلنا: إن ﴿الْمُجْرِمِينَ﴾ عامّ فإنّ ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ أي: بما نزل من عند الله.
وقَوْلهُ: ﴿حَتَّى يَرَوُا﴾ للغاية، والمَعْنى: إنهم إذا رأوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ فقدْ يؤمنونَ، ولكن يقول الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ [غافر: ٨٥]، وقَوْلهُ: ﴿فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ هذا هو الغالب على المكذِّبين المعانِدين أنّ اللهَ يُملي لهم فيُوغِل - والعياذُ باللهِ - في الكُفْر وفي الفِسْق وفي المَعْصِيَة، حتَّى إذا جاءهمُ العذاب أتاهم بَغتةً على غِرَّة، كما قال الرَّسُول - ﷺ -: "إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ" (١)؛ لأنَّ هؤُلاءِ لو أنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أذاقَهُمُ البأسَ شيئًا فشيئًا لرُبَّما آمنوا ورَجَعُوا، ولكنَّه - والعياذُ باللهِ - يُمْهِلُهم، حتى إذا وَصَلُوا إلى قِمَّة الكُفْر والفِسْق أُخذوا.
وهذا شَيْءٌ مشاهَدٌ حتَّى في عصرنا الحاضرِ، فنَرَى بعضَ البلادِ لَمَّا أوغلتْ في الكفرِ ووَصلتْ إلى غايتِهِ أُخِذَتْ والعياذُ باللهِ.
قال: ﴿فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ﴾ قال المُفسِّر: [لِنُؤْمِن؟ فيقال لهم: لا، قالُوا: متى هذا العذابُ؟ قال الله تعالى: ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾]، يَعْنِي أنَّه إذا أتاهم العذابُ بَغتةً يقولون: ﴿هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ﴾؟ وهذا الإسْتِفهامُ للتمنِّي؛ أي: لَيْتَنا نُنظَر، هذا هو الظاهِرُ.

(١) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ [هود: ١٠٢]، رقم (٤٦٨٦)، ومسلم: كتاب البر والصلاة والآداب، جاب تحريم الظلم، رقم (٢٥٨٣).


الصفحة التالية
Icon